وبناء على هذا، وعلى رواية مسلم عن أحمد = ترجم له في طبقات الحنابلة 2/ 413 وقال عنه: أحد الأئمة من حفاظ الأثر.
قلتُ: ولا يعني ذلك أنه حنبلي، بل وصفه بالإمامة، وحفظ الأثر، وقد ترجم أيضا: لشيخي أحمد: وكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي؛ لكونهم حكوا شيئا عن أحمد.
ولهذا السبب ترجم له غير واحد ممن ألف في طبقات الحنابلة بعد ابن أبي يعلى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوي 20/ 39 ـ هل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والدرامي والبزار والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وأبو يعلى الموصلي هل كان هؤلاء مجتهدين لم يقلدوا أحدا من الأئمة أم كانوا مقلدين؟ وهل كان من هؤلاء أحد ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة؟ ...
فأجاب: الحمد لله رب العالمين أما البخاري، وأبو داود؛ فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء، ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأمثالهم، ومنهم من له اختصاص ببعض الأئمة كاختصاص أبي داود، ونحوه بأحمد بن حنبل وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك، وأمثاله، أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة والثوري ... وهؤلاء كلمهم يعظمون السنة والحديث .. اهـ باختصار.
وقال السخاوي في غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج ص40 - 41:
والظاهر أنه ـ رحمه الله ـ كان على طريقة الأئمة من أهل الآثار في عدم التقليد بل سلك الاختيار مع إمكان الاستدلال بما وجد له من مقال لكونه مقتديا بإمامنا ابن إدريس الفائق في الاجتهاد، والتأسيس، فإنه قال في كتابه الانتفاع بجلود السباع، وقد ذكر قولة من عاب قوله: ورب عياب له منظر مشتمل الثوب على العيب.
بل قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: بالغ مسلم في تعظيم الشافعي ـ رحمهم الله تعالى ـ في كتابه الانتفاع.
وفي كتابه الرد على محمد بن نصر وعده في هذا الكتاب من الأئمة الذين يرجع إليهم في الحديث، وفي الجرح والتعديل. اهـ
قلتُ: ومبالغته في تعظيم الشافعي ـ رحمه الله ـ لا تعني أنه يقلده، فقد كان أحمد أيضا: يبالغ في تعظيمه فهل كان شافعيا؟ هذا الاستدلال فيه نظر، والله أعلم.
ثم قال السخاوي: وكذا يمكن استدلال أصحاب أحمد بأنه كتب عن إمامهم مسائل تروى عنه، وتُعتمد.
ولكن الميل بخلاف كل هذا أكثر مما هو أظهر ـ إلى أن قال ـ وممن قال إنه على مذهب أهل الحديث، وليس بمقلد لواحد بعينه من العلماء، ولا هو من المجتهدين على الإطلاع: التقي ابن تيمية رحمه الله تعالى، وإيانا.
المبحث الثاني عشر:
وفاته، وسببها:
قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216: وكان لموته سبب غريب نشأ عن غمرة فكرية علمية ـ ثم ساق سنده إلى الحاكم ـ قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب سمعت أحمد بن سلمة يقول: عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة، فذكر له حديث لم يعرفه، فانصرف إلى منزله، وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخلن أحد منكم هذا البيت، فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر، فقال: قدموها إلي، فقدموها، فكان يطلب الحديث، ويأخذ تمرة تمرة يمضغها، فأصبح وقد فني التمر، ووجد الحديث.
قال الحاكم: زادني الثقة من أصحابنا: أنه منها مرض، ومات. اهـ.
وانظر: تاريخ بغداد 13/ 103، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/ 94، و تهذيب الكمال27/ 506.
وكانت وفاته عشية يوم الأحد، ودفن الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، رحمه الله رحمة واسعة.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 417، وتاريخ دمشق 58/ 94، وصيانة مسلم ص1216، وشرح مسلم للنووي 1/ 123 و تهذيب الكمال 27/ 507، والبداية والنهاية 11/ 34.
الفصل الثاني: كتابه الصحيح:
المبحث الأول:
اسمه:
¥