قال الترمذي: (هذا حديث غريب)؛ يعني أنه ضعيف، يوضحه قوله بعد ذلك: وهذا حديث ليس إسناده بمتصل؛ ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الْحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعًا من عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما.
وقد خولف هشام بن سعد في هذا الإسناد، فرواه الليث بن سعد، واختلف عليه.
فأخرجه الطحاوي في "شرح المشكل" (279) من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن الليث، عن ربيعة بن سيف: أن عبد الرحمن بن قحزم أخبره: أن ابنًا لفياض بن عقبة توفي يوم جمعة، فاشتد وجده عليه، فقال له رجل من أهل الصدق: يا أبا يحيى، ألا أبشرك بشيء سمعته من عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما ـ سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... ، فذكره.
ثم أخرجه الطحاوي (280) فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم؛ حدثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث؛ حدثنا خالد ـ يعني ابن يزيد ـ عن ابن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف: أن عبد الرحمن بن قحزم أخبره: أن ابنًا لفياض بن عقبة، ثم ذكر مثله سواء.
وأخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر" (155) من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي صالح: عبد الله بن صالح كاتب الليث، وأبي بكر- غير منسوب - كلاهما، عن الليث بمثل رواية ابن عبد الحكم.
وكان الطحاوي أعلّ الحديث أوّلاً (1/ 250) بمثل إعلالالترمذي، ثم قال: عن هذا الإسناد: (وزاد [يعني ابن عبد الحكم] على يونس في إسناده إدخالَه بين الليثِ وبين ربيعةَ بنِ سيفٍ: خالدَ بنَ يزيدٍ وسعيدَ بنَ أبي هلالٍ، وهو أشبه عندنا بالصواب ـ والله أعلم ـ فوقفنا بذلك على فساد إسناد هذا الحديث، وأنه لا يجوز لمثله إخراجُ شيءٍ مما يوجب حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ دخوله فيه (.
وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ الذي ذكره الطحاوي هو الحديث الأصل الذي أورده في أول الباب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن للقبر لضغطة، لو كان أحد ناجيًا منها؛ نجا سعد بن معاذ))، ولأجله ضعّف حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي اللهعنهما ـ الذي فيه: ((وقاه الله فتنة القبر)).
ومع ما تقدم من العلل: فإن ربيعة وإن كان صدوقًا، فإنه ضعيف من قبل حفظه، فقد قال عنه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/ 290): ((عنده مناكير))، وقال في "الأوسط" (1464): ((وروى ربيعة بن سيف المعافري الإسكندراني أحاديث لا يتابع عليه))، وقال النسائي في رواية: ((ليس به بأس))، وقال في أخرى: ((ضعيف))، وقال الدارقطني في "سؤالات البرقاني" (153): ((صالح))، وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 301)، وقال: ((يخطئ كثيرًا))، وقال ابن يونس: ((في حديثه مناكير))، وقال العجلي في "تاريخه" (463): ((ثقة)). انظر "تهذيب التهذيب" (3/ 221).
وقد عدّ الذهبي هذا الحديث من مناكير هشام بن سعد، حين قال في "الميزان" (7/ 81): (ومن مناكيره ما ساق الترمذي له عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف ... )، ثم ذكر هذا الحديث.
وله طريق آخر عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-: أخرجه الإمام أحمد (2/ 176و220 رقم 6646 و7050)، وعبد بن حميد (323) والطبراني في "الأوسط" (3107)، والدارقطني في "الغرائب والأفراد" كما في "أطرافه" (3585)، وابن عساكر في "تعزية المسلم" (106 و 107)، والبيهقي في "إثبات عذاب القبر" (156) من طريق معاوية بن سعيد التجيبي، عن أبي قَبيل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات في يوم الجمعة _ أو ليلة الجمعة _ وُقي فتنة القبر)).
قال الدارقطني: ((تفرد به معاوية بن سعيد، عن أبي قبيل)).
وسنده ضعيف؛ فيه معاوية بن سعيد التجيبي ولم يوثق من إمام معتبر، وإنما ذكره البخاري في "تاريخه" (7/ 334 رقم 1441)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/ 384 رقم 1755)، وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 166) وقال: (من أهل مصر يروي المقاطيع)، ولذا قال عنه ابن حجر في "التقريب" (6757): ((مقبول)).
وروي موقوفًا على عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-: أخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر" (157) من طريق ابن وهب؛ أخبرني ابن لهيعة، عن سنان بن عبد الرحمن الصدفي: أن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- كان يقول)): من توفي يوم الجمعة ـ أو ليلة الجمعة ـ وُقي الفتان.
وأما حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: فأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4113) ـ ومن طريقه ابن عدي في "الكامل" (7/ 92) من طريق عبد الله بن جعفر، عن واقد بن سلامة، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((من مات يوم الجمعة وقي عذاب القبر)).
وسنده ضعيف جدًّا؛ فيه يزيد بن أبان الرقاشي ضعيف كما في "التقريب" (7683).
والراوي عنه واقد ـ ويقال: وافد) بالفاء (ـ ابن سلامة وهو ضعيف أيضًا. انظر "لسان الميزان" (6/ 215 رقم 754)
والراوي عنه عبد الله بن جعفر يظهر أنه والد علي بن المديني، وهو ضعيف أيضًا كما في "التقريب" (3255).
وله طريق أخرى أخرجها ابن عساكر في "تعزية المسلم" (109) من طريق الحسين ابن علوان، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينجو من ضغطة القبر إلا شهيد أو مصلوب أو من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة)).
لكنها متابعة أوهى من سابقتها، فالحسين بن علوان كذاب يضع الحديث كما في (الكامل) لابن عدي (2/ 395).
وأبان ابن أبي عياش متروك كما في "التقريب" (ص 142).
وأما حديث جابر، رضي الله عنه: فأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 155) من طريق عمر بن موسى بن الوجيه، عن محمد بن المنكدر، عن جابر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة عليه طابع الشهداء)).
وفي سنده عمر بن موسى بن وجيه وهو يضع الحديث أيضًا. انظر "لسان الميزان" (4/ 332 ـ 333). وللحديث طرق أخرى مراسيل وفيها مجاهيل، لا يعتضد بشيء منها، والله أعلم.
http://www.alukah.net/articles/108/52.aspx
¥