تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة شيخ معاذ بن رفاعة.على أن هذا نفسه فيه نظر؛ فإنه لم يوثقه غير ابن حبان، وحكى أبو الفتح الأزدي عن عباس الدوري عن ابن معين أنه قال فيه:"ضعيف". قال الأزدي:"ولا يحتج بحديثه"؛ كما في "التهذيب".وقد روى عنه جمع، ولم يذكر فيه البخاري في "التاريخ"، وابن أبي حاتم في كتابه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال؛ إن لم يكن ضعيفاً.وأما الحافظ؛ فقال:"صدوق"! وبيَّض له الذهبي في "الكاشف".

وقد خولف ابن إسحاق في إسناده ومتنه؛ فقال يزيد بن الهاد: عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبدالله قال: ... فذكره مختصرا نحوه، ولفظه:جاء جبريل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؛ فتحت له أبواب السماء، وتحرك له العرش؟ قال: فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ فإذا سعد بن معاذ.

أخرجه البيهقي في "الدلائل" - كما في "السيرة" لابن كثير (3/ 245) -، رواه عن شيخه الحاكم، وقد أخرجه هذا في "المستدرك" (3/ 206) مختصراً نحوه؛ ليس فيه ذكر جبريل عليه السلام، فصار الحديث من قول النبي صلي الله عليه وسلم، وليس من قول جبريل.

وكذلك رواه الإمام أحمد (3/ 327)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "تحفة الأشراف" (2/ 379) -، وعزاه إليه الذهبي أيضا في "سير أعلام النبلاء" (1/ 293)؛ لكن ذكره بلفظ البيهقي الذي فيه ذكر جبريل، وكأنه من أوهامه؛ إذا صحّ ما في "التحفة"! وتبعه على الوهم المعلق عليه؛ فعزاه لأحمد والحاكم، وقد عرفت أن روايتهما كرواية النسائي!

وجملة القول: أن حديث الترجمة ضعيف عندي؛ للجهالة، والضعف الذي في بعض رواته، ومخالفة ابن إسحاق لابن الهاد في إسناده ومتنه.

وقد وجدت له طريقاً أخرى، ولكنها واهية أيضا، فلا يستشهد بها؛ يرويه أبو قرة محمد بن حميد: حدثنا سعيد بن تليد: حدثنا محمد بن فضالة عن أبي طاهر عبدالملك بن محمد بن أبي بكر عن عمه عبدالله بن أبي بكر قال:مات سعد بن معاذ من جرح أصابه يوم الخندق شهيدا، قال: فلبغني أن جبريل عليه السلام نزل في جنازته معتجرا .. الحديث مثله.

أخرجه ابن عبدالبر في ترجمة (سعد بن معاذ) من "الاستيعاب".

قلت: وهذا إسناد مظلم؛ فإنه مع كونه بلاغا من عبدالله بن أبي بكر، وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري التابعي؛ فيما يظهر لي؛ فإن في الطريق إليه جمعاً لا يحتج بهم:الأول: عبدالملك بن محمد بن أبي بكر - وهو الحزمي -؛ أورده البخاري في "التاريخ" (3/ 1/ 431)، وابن أبي حاتم (2/ 2/ 369) من رواية ابن وهب عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.ويحتمل عندي أنه الذي في "الميزان" و "اللسان":"عبدالملك بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"ليس في القبلة وضوء".وعنه بقية. قال الدارقطني: عبدالملك ضعيف".

قلت: وهو من طبقة الحزمي هذا، وحديثه في القبلة في "سنن الدارقطني" (1/ 136) معلقاً.

الثاني: محمد بن فضالة؛ لم أعرفه، ويحتمل - على بعد - أنه الذي في "الميزان" و "لسانه":"محمد بن فضالة بن الصقر، شيخ شامي. حدث عن هشام بن عمار. قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر".وإنما استبعدت أن يكون هو هذا؛ لأمرين:

الأول: أنه متقدم الطبقة على هذا.

والآخر: أني أخشى أن يكون اسم (محمد) محرفا من (المفضل)؛ فقد جاء في ترجمة (سعيد بن تليد) من "التهذيب" أنه روى عن المفضل بن فضالة، وهو المصري؛ فإن يكن هو؛ فهو ثقة. والله أعلم.

والثالث: أبو قرة محمد بن حميد - وهو ابن هشام الرعيني -؛ ذكره الحافظ المزي فيمن روى عن سعيد بن تليد، ولم أجد له ترجمة.

واعلم أن الكلام على هذا الحديث وإيراده هنا في هذا الكتاب؛ إنما هو من أجل ما فيه من ذكر جبريل واعتجاره بعمامة الإستبرق.وإلا؛فجملة:"اهتز العرش" منه صحيحة، جاءت من وجوه كثيرةٍ متواترةٍ؛ كما قال ابن عبدالبر، والذهبي،وبعضها في "الصحيحين"،فانظر: ترجمة سعد في "سير النبلاء"،و"فتح الباري" (7/ 123 - 124)،و"الصحيحة" (1288)،و"الإرواء" (3/ 166 - 167)،و"مختصر الشمائل" (31/ 16)،و"الظلال" (1/ 247 - 248)).

قلت:علَّةُ ضعف هذا الحديث هي الإرسال:"معاذ بن رفاعة بن رافع، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" قاله الدارقطني:

ففي كتاب "العلل" للدارقطني (13/ 387 - 389 - سؤال3280) ما نصّه: (وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَمَّا مَاتَ سَعِيدُ بْنُ مُعَاذٍ: " جَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي قَدْ مَاتَ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ". الْحَدِيثَ.

فَقَالَ: يَرْوِيهِ يزَيْدُ بْنُ الْهَادِ، وَيَحْيَى بْنُ سعيد، وَاخْتُلِفَ عَنْ يَحْيَى:

فَرَوَاهُ ابْنُ الْهَادِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَهُ اللَّيْثُ، وَحَيوةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْهُ.

وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ.

وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى اللَّخْمِيُّ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الوهْبيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُبَدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرٍ.

وخالفه حماد بْنُ سَلَمَةَ، رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ مرُسْلاً.وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابن إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ مُرْسَلاً).

يتبع إن شاء الله تعالى ................

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير