رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى
الصلاة فلا يكلم أحداً و لا يأذن لأحدٍ في الدخول.
فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية و أقبلت حتى وقفت على باب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم سلّمت و قالت: يا رسول الله أنا فاطمة،
ورسول الله ساجدٌ يبكي، فرفع رأسه و قال: ((ما بال قرة عيني فاطمة
حُجِبَت عني؟ افتحوا لها الباب))
ففتح لها الباب فدخلت، فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكت بكاءً شديداً لما رأت من حاله مُصفرّاً متغيراً قد ذاب لحم وجهه
من البكاء و الحزن، فقالت: يا رسول الله ما الذي نزل عليك؟!
فقال: ((يا فاطمة جاءني جبريل و وصف لي أبواب جهنم، و أخبرني أن
في أعلى بابها أهل الكبائر من أمتي، فذلك الذي أبكاني و أحزنني))
قالت: يا رسول الله كيف يدخلونها؟!
قال: ((بلى تسوقهم الملائكة إلى النار، و لا تَسْوَدّ وجوههم، و
لا تَزْرَقّ أعينهم، و لا يُخْتَم على أفواههم
، و لا يقرّنون مع الشياطين، و لا يوضع عليهم السلاسل و الأغلال))
قالت: يا رسول الله كيف تقودهم الملائكة؟!
قال: ((أما الرجال فباللحى، و أما النساء فبالذوائب و النواصي ..
فكم من ذي شيبةٍ من أمتي يُقبَضُ على لحيته وهو ينادي: واشَيْبتاه
واضعفاه، و كم من شاب قد قُبض على لحيته، يُساق إلى النار وهو
ينادي: واشباباه واحُسن صورتاه، و كم من امرأة من أمتي قد قُبض على
ناصيتها تُقاد إلى النار و هي تنادي: وافضيحتاه واهتك ستراه، حتى
يُنتهى بهم إلى مالك، فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة: من هؤلاء
؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء، لم تَسْوَدّ
وجوههم ولم تَزرقّ أعينهم و لم يُختَم على أفواههم و لم يُقرّنوا مع
الشياطين و لم توضع السلاسل و الأغلال في أعناقهم!!
فيقول الملائكة: هكذا أُمِرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة.
فيقول لهم مالك: يا معشر الأشقياء من أنتم؟!
وروي في خبر آخر: أنهم لما قادتهم الملائكة قالوا: وامحمداه،
فلما رأوا مالكاً نسوا اسم محمد
صلى الله عليه وسلم من هيبته، فيقول لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن
ممن أُنزل علينا القرآن، ونحن ممن يصوم رمضان. فيقول لهم مالك: ما
أُنزل القرآن إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا سمعوا اسم
محمد صاحوا: نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فيقول لهم مالك: أما كان لكم في القرآن زاجرٌ عن معاصي الله تعالى
فإذا وقف بهم على شفير جهنم، ونظروا إلى النار وإلى الزبانية
قالوا: يا مالك ائذن لنا نبكي على أنفسنا، فيأذن لهم، فيبكون
الدموع حتى لم يبق لهم دموع، فيبكون الدم، فيقول مالك: ما أحسن
هذا البكاء لو كان في الدنيا، فلو كان في الدنيا من خشية الله ما
مسّتكم النار اليوم.
فيقول مالك للزبانية: ألقوهم .. ألقوهم في النار
فإذا أُلقوا في النار نادوا بأجمعهم: لا إله إلا الله، فترجع
النار عنهم، فيقول مالك: يا نار خذيهم، فتقول: كيف آخذهم و هم
يقولون لا إله إلا الله؟ فيقول مالك: نعم، بذلك أمر رب العرش،
فتأخذهم، فمنهم من تأخذه إلى قدميه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم
من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذه إلى حلقه، فإذا أهوت النار إلى
وجهه قال مالك: لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا للرحمن في الدنيا، و
لا تحرقي قلوبهم فلطالما عطشوا في شهر رمضان. فيبقون ما شاء الله
فيها، ويقولون: يا أرحم الراحمين يا حنّان يا منّان، فإذا أنفذ
الله تعالى حكمه قال: يا جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى الله
عليه وسلم؟ فيقول: اللهم أنت أعلم بهم. فيقول انطلق فانظر ما
حالهم
فينطلق جبريل عليه السلام إلى مالك و هو على منبر من نار في وسط
جهنم، فإذا نظر مالك على جبريل عليه السلام قام تعظيماً له، فيقول
له يا جبريل: ماأدخلك هذا الموضع؟ فيقول: ما فَعَلْتَ بالعصابة
العاصية من أمة محمد؟ فيقول مالك: ما أسوأ حالهم و أضيَق مكانهم، قد
أُحرِقَت أجسامهم، و أُكِلَت لحومهم، وبقِيَت وجوههم و قلوبهم
يتلألأ فيها الإيمان.
فيقول جبريل: ارفع الطبق عنهم حتى انظر إليهم. قال فيأمر مالك
الخَزَنَة فيرفعون الطبق عنهم، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حُسن
خَلقه، علموا أنه ليس من ملائكة العذاب
¥