تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن بلغات عديدة، أي بلهجات مختلفة، حسب اختلاف لغات قبائل العرب، وذلك للتسهيل على رجالهم، والتيسير على ألسنتهم في لفظه وقراءته. وكان يقول:» إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه «([2]).

وتوفي الرسول r من غير أن يأمر بجمع آي القرآن في كتاب، فظلت مفرقة، مكتوبة عند بعض الصحابة، ومحفوظة في صدور القراء منهم. وارتدّت قبائل العرب عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم. وسار المسلمون إلى قتال المرتدّين، واسْتُشْهِد كثير من الصحابة في حرب اليمامة، حتى بلغ عددهم خمسمائة شهيد، وفيهم كثير من حَفَظَة القرآن ([3]).

فهال مقتلُ القراء كبارَ الصحابة، وخافوا ضياع القرآن بمقتلهم. فبادر عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر الصديق، وقال له: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتهافتون في الحرب تهافتَ الفََراش، وإني أخشى أن يضيع كثير من القرآن بموتهم. ولم يزل به حتى أقنعه بفضل جمع القرآن. فأمر أبو بكر زيدَ بن ثابث الأنصاري بجمعه وكَتْبِه ([4]).

ذكر الإمام أبو عمرو عثمانُ بن سعيد الداني:

قال زيد: فدعاني أبوبكر. فقال: إنك رجل شاب، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم، فاجمع القرآن واكتبه. فقال زيد لأبي بكر: كيف تصنعون بشيء لم يأمركم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمر، ولم يعهد إليكم فيه عهداً؟ قال: فلم يزل بي أبو بكر حتى أراني الله مثل الذي رأى أبو بكر وعمر. فقال: والله، لو كلّفوني نقل الجبال لكان أيسر من الذي كلّفوني ([5]).

وجاء في معجم "لسان العرب":

وفي حديث زيد بن ثابت حين أمره أبو بكر الصديق بجمع القرآن. قال: فعَلِقْتُ أتتبّعه من اللِّخاف والعُسُب. وذلك أنه استقصى جميع القرآن من المواضع التي كُتِب فيها. حتى ما كُتِبَ في اللخاف، وهي الحجارة، وفي العسب، وهي جريد النخل. وذلك أن الرَّقّ أعوزهم حين نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم. فأُمِرَ كاتب الوحي فيما تيسّر من كَتِف ولَوْح وجلد وعَسِيب ولَخْفَة ([6]). وإنما تتبّع زيد بن ثابت القرآن، وجمعه من المواضع التي كُتِبَ فيها. ولم يقتصر على ما حفظ هو وغيره، وكان من أحفظ الناس للقرآن، استظهاراً واحتياطاً لئلاّ يسقط منه حرف، لسوء حفظ حافظه، أو يتبدّلَ حرف بغيره. وهذا يدل على أن الكتابة أضبط من صدور الرجال، وأحرى أن لا يسقط منه شيء. فكان زيد يتتبّع في مُهْلة ما كُتِب منه في مواضعه، ويضمه إلى الصحف. ولا يثبت في تلك الصحف إلا ما وجده مكتوباً كما أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم، وأملاه على من كتبه ([7]).

وأُودِعت الصحفُ المكتوبة عند أبي بكر، ثم عند عمر بن الخطاب حين ولي الخلافة، ثم عند ابنته حفصة أمِّ المؤمنين بعد وفاته ([8]).

® ® ®

ومضى المسلمون يقرأون القرآن بالحروف التي تلقَّوْها عن الرسول صلى الله عليه و سلم، أو عن صحابته الذين تلقوها عنه. فظهر بين هؤلاء الصحابة شيء من الخلاف في التلاوة حسب سماع كل واحد منهم عن الرسول صلى الله عليه و سلم.

ثم زاد هذا الخلاف مع الزمن حين تفرقت جموع المسلمين في فتوح الأمصار. والتقى أهل العراق وأهل الشام في فتح أذْرَبَيْجانَ سنة ثلاثين من الهجرة، على عهد الخليفة عثمان بن عفان. فظهر بين الفريقين خلاف في التلاوة، واتهم بعضهم بعضاً بتغيير القرآن، ووقعت بينهم الشبهة، حتى كاد كل فريق يكفّر الفريق الآخر. وكان فيهم حُذَيْفَة بن اليَمان صاحب الرسول صلى الله عليه و سلم. فأفزعه خلاف المسلمين. فأقبل إلى الخليفة عثمان، وقال له:» أدْرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، ويتفرقوا في أمر دينهم «. وأخبره بالخلاف الواقع بين المسلمين في قراءة القرآن ([9]).

فبادر الخليفة عثمان، وأرسل إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر أن ترسل إليه صحف القرآن المُودعة عندها. فأرسلتها إليه. فأمر زيد بن ثابت الأنصاري بنسخها في مصحف واحد، وجعل معه في هذا الأمر الخطير جماعة من كبار الصحابة، هم عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهم من قريش أهل مكة. وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء منه، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ([10]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير