تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعكف هؤلاء الصحابة الأعلام على العمل الجليل الذي عُهِد به إليهم. وكتبوا أربعة مصاحف، في أشهر الأقوال ([11])، فوجّه الخليفة عثمان بمصحف منها إلى البصرة، وبمصحف إلى الكوفة، وبمصحف إلى الشام، وأمسك لديه مصحفاً، وهو الذي عُرف بالإمام. وفي قول آخر إن الصحابة المكلفين بهذا الأمر كتبوا ثمانية مصاحف ([12])، وإن الخليفة وجّه بواحد منها إلى مكة، وبآخر إلى اليمن، وبآخر إلى البحرين، وترك مصحفاً في المدينة، غير الإمام الذي أمسكه لنفسه. وقد قيل: إنه جعله سبعَ نسخ. والقول الأول هو الأصحّ، وعليه الأئمة والعلماء ([13])

ثم ردّ عثمان الصحف إلى حفصة أمّ المؤمنين، وأمر بكل ما في غير هذه المصاحف المكتوبة من القراءة، في كل صحيفة أو مصحف، أن يُحْرَق ([14]). ثم أُحْرِقت أيضاً الصحف المحفوظة عند حفصة أم المؤمنين بنتِِ عمر بعد وفاتها. أحرقها مروان بن الحكم ([15]) حين كان أمير المدينة مخافة أن يكون في شيء منها اختلاف لما أمر عثمان بنسخه في المصاحف التي كتبت في عهده.

® ® ®

وأجمع المسلمون على ما تضمنته هذه المصاحف، وتركوا ما خالفها، وقرأ أهل كل مِصْر بما في مصحفهم وتلقّوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقَّوه عن الرسول صلى الله عليه و سلم. قال أبو عمرو الداني:

وإنما أخلى الصَّدْر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل، من حيث أرادوا الدّلالة على بقاء السَّعة في اللغات، والفُسْحَة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها، والقراءة بما شاءت منها. فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نَقْطَها وشكلَها ([16]).

وحقاً كانت هذه المصاحف قد كتبت خالية من النَّقْط، أي إعجام الحروف وشكلها، لخلوّ الكتابة العربية آنذاك من هذه العناصر الخطية. فاحتملت قراءتها:

ما صحَّ نقله، وثبتت قراءته عن الرسول صلى الله عليه و سلم، إذ كان الاعتماد على الحفظ، لا على مجرد الخط. وكان من جملة الأحرف التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. فاقرأوا ما تيسّر منه ([17]).

® ® ®

وأمر هذا الحديث شأن مشكل. وقد ذهب العلماء مذاهب شتى في تفسير المعنى المقصود بهذه الأحرف السبعة. ونرى أن أصحَّ هذه المذاهب، وأدناها للصواب وواقع الحال، هو أن المقصود بها لغات العرب، أي لهجات قبائلهم. جاء في معجم" لسان العرب":

ابن سِيدَه ([18]): والحرف: القراءة التي تُقرأ على أوْجُهٍ. وما جاء من قوله عليه السلام:» نزل القرآن على سبعة أحرف، كلُّها شافٍ وكافٍ «. أراد بالحرف اللغة. قال أبو عُبَيْد وأبو العباس ([19]): نزل على سبع لغات من لغات العرب. قال: وليس معناه أن يكون في الحرف سبعة أوجُهٍ. هذا لم يُسْمَع به. قال: ولكن يقول: هذه اللغات متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة أهل اليمن، وبعضه بلغة هَوَازِنَ، وبعضه بلغة هُذَيْل. وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحد ... ومما يبين ذلك قول ابن مسعود ([20]): إني قد سمعت القُرّاء فوجدتهم متقاربين. فاقرأوا كما عُلِّمْتم. إنما هو كقول أحدكم: هلمَّ، وتعالَ، وأقْبِلْ. قال ابن الأثير: وفيه أقوال غير ذلك. هذا أحسنها ... وروى الأزهري ([21]) عن أبي العباس ([22]) أنه سئل عن قوله: نزل القرآن على سبعة أحرف. فقال: ما هي إلا لغات. قال الأزهري: فأبو العباس النحوي، وهو واحد عصره، قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد واستصوبه. قال: وهذه السبعة أحرف التي معناها اللغة غير خارجة من الذي كُتِبَ في مصاحف المسلمين التي اجتمع عليها السلف المَرْضِيُّون، والخَلَف المتَّبِعُون. فمن قرأ بحرف، ولا يخالف المصحف بزيادة أو نقصان، أو تقديم مؤخَّر، أو تأخير مقدَّم، وقد قرأ به إمام من أئمة القراء المشتهرين في الأمصار، فقد قرأ بحرف من الحروف السبعة التي نزل القرآن بها. ومن قرأ بحرف شاذّ، يخالف المصحف، وخالف في ذلك جمهور القراء المعروفين، فهو غير مُصيب. وهذا مذهب أهل العلم الذين هم القدوة. ومذهب الراسخين في علم القرآن قديماً وحديثاً. وإلى هذا أومأ أبو العباس النحوي وأبو بكر ابن الأنباري في كتاب له، ألّفه في اتّباع ما في المصحف الإمام، ووافقه على ذلك أبو بكر ابن مجاهد مقرئ أهل العراق، وغيره من الأثبات المتقنين. قال: ولا يجوز عندي غير ما قالوا. والله تعالى يوفقنا للاتّباع،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير