تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويجنبنا الابْتداع ([23]).

® ® ®

وقد أوضح هذا المعنى، وبَيّنه أحسن بيان أبو محمد ابن قتيبة في كتابه "تأويل مشكل القرآن". قال:

وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام. وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيُحْدِث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسّر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يُقْرِئ كلَّ قوم بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم. فالْهُذَلِيّ يقرأ] عَنِّي حِينٍ [يريد] حَتّى حِينٍ [([24])، لأنه هكذا يلفظ بها، ويستعملها. والأسَدي يقرأ: تِعْلَمُون وتِعْلَم، و] تِسْوَدُّ وُجُوهٌ [([25]) و] أَلَمْ إِعْهَدْ إِلَيْكُمْ [([26]). والتميمي يَهْمِز ([27])، والقرشي لا يهمز، والآخر يقرأ] وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ [([28]) و] غِيضَ الْمَاءُ [([29]) بإشمام الضم مع الكسر، و (هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) ([30]) بإشمام الكسر مع الضم، و (] مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا [([31]) بإشمام الضم مع الإدغام. وهذا لا يَطوع به كل لسان، ولو أن كل فريق من هؤلاء أُمِرَ أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده، طفلاً وناشئاً وكهلاً، لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه. ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة. فأراد الله - برحمته ولطفه - أن يجعل لهم مُتَّسعاً في اللغات، ومتصَرَّفاً في الحركات، كتيسيره عليهم في الدين، حين أجاز لهم، على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم، أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته في فرائضهم وأحكامهم، وصلاتهم وصيامهم، وزكاتهم وحجّهم، وطلاقهم وعِتْقهم، وسائر أمور دينهم ([32]).

ونرى في هذا الكلام الذي قاله ابن قتيبة جلاء واضحاً للمشكل الواقع في مدلول هذا الحديث، وهو أن المعنى المقصود بالأحرف السبعة لغاتُ العرب، أي لهجات قبائلهم المختلفة بعض الاختلاف الذي ذكر ابن قتيبة أمثلة منه.

® ® ®

وعلى الرغم من جمع القرآن، وتدوينه في مصحف واحد، وجَمْع المسلمين عليه، فإن تلاوته ظلت تعتمد على الرواية الصحيحة، بالسند الصحيح المتواتر عن الرسول r. فقد قرأه صحابته عليه، وسمعه التابعون من الصحابة، وأخذوه عنهم، فتوالت قراءته بالسند الصحيح، على مرّ الأيام والسنين، وتَعاقُب أجيال الرجال، جيلاً بعد جيل، في الأمصار الإسلامية. وثبتت القراءة بذلك سُنّةً متّبَعة، يأخذها الخلف عن السلف كما يسمعها ويحفظها.

قال أبو بكر ابن مجاهد:

حدثنا موسى بن إسحاق أبو بكر، قال: حدثنا عيسى بن مِينا قالُونُ، قال: حدثنا ابن أبي الزِّنَاد، عن أبيه، عن خارجةَ بنِ زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: «القراءة سُنّة» ([33]).

وزيد بن ثابت هو الصحابي الجليل كاتب الوحي في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، وجامع القرآن في عهد أبي بكر الصديق، وابنه خارجةُ محدِّث من الفقهاء في المدينة، وأبو الزناد القرشي المدني قارئ ثقة، توفي سنة 130 هـ، وابنه عبد الرحمن محدِّثٌ، روى القراءة عن نافع إمام أهل المدينة، توفي سنة 164 هـ. أما قالون، فهو راوي قراءة نافع، توفي سنة 220 هـ. وأبو بكر موسى بن إسحاق الأنصاري القاضي راوي القراءة عن قالون، توفي سنة 297 هـ.

وقال أبو بكر ابن مجاهد أيضاً:

حدثني عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحِمْصِي، قال: حدثنا إسماعيل بن عَيّاش، عن شُعَيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدِر، قال: سمعته يقول: قراءة القرآن سنّة، يأخذها الآخِر عن الأول. قال: وسمعت أيضاً بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك ([34]).

® ® ®

ونبغ في الأمصار الإسلامية قراء كثيرون، تلقَّوا القراءة من أجيال التابعين، منهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعَيْم في المدينة، وعبد الله بن كَثِير إمام أهل مكة في القراءة، وأبو بكر عاصم بن أبي النَّجُود مقرئ أهل الكوفة، وأبو عمرو بن العلاء التميمي إمام القرّاء في البصرة، وعبد الله بن عامر اليَحْصُبِي إمام أهل الشام في القراءة، ومنهم خلف بن هشام البَزَّار البغدادي الذي لمع في القراءة ببغداد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير