تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد كثر عدد أئمة القراءة في كل مصر، مع مرور الزمن، أمثال هؤلاء القراء الذين ذكرناهم. وصار المسلمون يحملون عن كل إمام قارئ قراءته الخاصة التي اختارها، ويقرؤون بها، ويعلمونها جمهور الناس، فدعت هذه الزيادة في عدد القراء بعض العلماء إلى تأليف الكتب في القراءة والقراء. نذكر منهم يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاقَ الحضرميَّ، وهو من أهل بيت العلم بالقرآن والعربية، وكان أقرأ القراء، وأُخِذَ عنه عامة حروف القرآن، من قراءة الحَرَمِيّينَ والعراقيين والشام وغيرهم.» وليعقوب كتاب، سماه "الجامع". جمع فيه عامة اختلاف وجوه القراءات، ونسب كل حرف إلى من قرأ به. وتوفي سنة خمسين ومائتين «([35]).

ومن العلماء بكتاب الله تعالى وسنة رسوله أبو عُبَيْد القاسم بن سلاّم الذي جمع القراءات في كتاب، وجعل القرّاء خمسة وعشرين ([36])، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين. ومنهم أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السِّجِسْتَانِي الذي ألف كتاباً في القراءات ذكر فيه القرّاء والعلماء ([37]). قال عنه القِفْطِي:» وكتابه في القراءات مما يفخر به أهل البصرة، فإنه أجلُّ كتاب صُنِّف في هذا النوع إلى اليوم «([38]). وكان بعده أحمد بن جُبَيْر بن محمد الكوفي، نزيل أنطاكِيَة،» جمع كتاباً في قراءات الخمسة، من كل مصر واحد «([39]). يريد الأمصار الإسلامية الخمسة التي اشتهرت بقراءة القرآن والقراء، وهي المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام. وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. وكان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي، صاحب قالون عيسى بن مِينا. ألَّف كتاباً في القراءات، جمع فيه قراءة عشرين إماماً ([40]). توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتاباً حافلاً، سماه "الجامع"، فيه نيّف وعشرون قراءة ([41]). توفي سنة عشر وثلاثمائة. وكان بُعَيْدَه أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتاباً في القراءات أيضاً، وذكر فيه بين القراء أبا جعفر يزيد بن القعقاع مقرئ أهل المدينة ([42]). وتوفي سنة أ ربع وعشرين وثلاثمائة.

وما زال الأئمة من القراء يتكاثرون مع الزمن، كما يتكاثر حَفَظَةُ القرآن وحَمَلَةُ القراءات عن الأئمة السابقين. فتعددت القراءات، وزادت طرقُها زيادة كبيرة، ولم تكفِ الكتب المؤلفة في القراءات والقراء لوقف هذا السيل المتدافع. وكان من القراء العالم العارف بوجوه القراءات وأسانيدها عن الأئمة. وكان منهم الذي لا علم له بهذه الوجوه والأسانيد، الناقص الإتقان للرواية والدراية بها. يجعله نقص علمه أن يقرأ شيئاً لم يقرأ به أحد قبله من أئمة القراء الماضين ([43]). وهذه الحال قد تفتح باباً واسعاً للفوضى، وتؤدي إلى الغلط والتغيير في قراءة كلام الله.

® ® ®

تنبّه على سوء هذا الأمر أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي، وهو عالم فذّ كبير. حفظ القرآن، وطلب العلوم، وأخذ القراءات وطرقها من شيوخها في عصره، ومعرفة روايات حروفها من زمن الرسول إلى زمنه في القرن الرابع. ورحل في سبيل ذلك إلى الأمصار، المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام، فألّف كتاباً اختار فيه قراءات سبعة من أئمة هذه الأمصار ([44])، الموثوقين المعروفين بالكِفاية والأمانة والإتقان، وهم:

1. أبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعَيْم المتوفى سنة 169 هـ، من المدينة؛

2. وأبو مَعْبَد عبد الله بن كَثِير الداري المتوفى سنة 120 هـ، من مكة؛

3. وأبو بكر عاصم بن بَهْدَلةَ بن أبي النَّجود المتوفى سنة 127 هـ، من الكوفة؛

4. وأبو عمادة حمزة بن حبيب الزيّات المتوفى سنة 156 هـ، من الكوفة؛

5. وأبو الحسن علي بن حمزة الكِسَائِي المتوفى سنة 189 هـ، من الكوفة؛

6. وأبو عمرو بن العلاء بن عمّار التميمي المتوفى سنة 154 هـ، إمام القراء في البصرة؛

7. وأبو عِمْران عبد الله بن عامر اليَحْصُبِي المتوفى سنة 118 هـ، إمام القراء في الشام.

وهذه الأمصار الخمسة هي الينابيع الكبرى التي تفجرت فيها القراءات، وفاضت منها إلى العالم الإسلامي كله. وهؤلاء القراء السبعة الذين اختارهم هم نخبة أئمة القراءة فيها.

قال أبو بكر ابن مجاهد في أول كتابه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير