تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا نعرف تاريخ وفاة الإمام العماني، كما لا نعرف هل كانت في مستقره في الوطن، أو في مكان آخر في الاغتراب. وقد عرفنا خبر نزوله مصر بُعَيْدَ السنة الخمسمئة، أي أوائل القرن السادس، كما قال أبو الخير الجَزَري. وبيّنا الضعف في صحة هذا الخبر. وقد اقتبس عمر رضا كحّالة هذا الخبر، وأورده في كتابه "معجم المؤلفين" نقلاً عن الجَزَري نفسه، من غير زيادة شيء فيه ([68]).

وأغْرَبَ العالم مصطفى بن عبد الله المعروف بحاجي خليفة، صاحب كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، المتوفى سنة 1067 هـ، حين ذكر كتاب "المرشد" في قوله: "المرشد في الوقف والابتداء" للإمام الحافظ العُماني، المتوفى في حدود سنة 400 هـ «([69]). وهو قول خطأ محض، لا ندري وجهه ولا مأتاه. وقد عرّفنا الإمام الحافظ العُماني نفسه أنه وضع "الكتاب الأوسط" سنة 413 هـ، كما رأينا آنفاً غير بعيد.

وهكذا يظل تاريخ وفاته مجهولاً مثل تاريخ ميلاده. ولا ضير في ذلك، إذ يبقى الثابت المعروف، بلاريب، من أقواله نفسه، أنه إمام كبير وعالم بارز من علماء القرنين الرابع والخامس، كان له شأن في زمانه، وأثر كبير ويد طولى في إرساء قواعد وأصول علم القراءات في الثقافة العربية الإسلامية.

"الكتاب الأوسط في علم القراءات"

هذا الكتاب سفر فخم نفيس من أسفار الثقافة العربية الإسلامية. له قيمة خاصة يمتاز بها بين الكتب المؤلفة في علم القراءات. وتتجلى قيمته في ميزتين اثنتين له:

1 - الميزة الأولى كونه من الكتب الأمهات المحكمات الأولى في علم قراءات القرآن الكريم. ضنّ به الزمان على التلف والضياع، فقطع مراحل السنين، وطوى عقود القرون، مخبوءاً مجهولاً في عتمة الخزائن، حتى وصل إلى زماننا.

2 - والميزة الثانية كونه أوّل كتاب في هذا العلم عمل فيه صاحبه أبواب أصول القراءات قبل فرش الحروف من آي القرآن التي اختلف في قراءتها أئمة القراء. وأفرد هذه الأصول، وجعلها مجموعة وحدها في جزء واحد مستقل قائم بذاته، ثم أورد فرش حروف الاختلاف في جزء آخر، مستقل وقائم بذاته أيضاً. وبذلك التفريق صار هذا الكتاب كأنه كتابان اثنان، أحدهما في أصول القراءات، والآخر يتضمن فرش حروف الاختلاف.

وكان العلماء قبل الإمام العُماني يوردون أصول القراءات خلال فرش الحروف كلما عرضت مسألة من مسائل الأصول، أو دَعَت الحال لبيان قاعدة من قواعدها. وهكذا تأتي الأصول والحروف متداخلة بعضها ببعض. ويؤدي ذلك إلى انقطاع التسلسل الطبيعي في محتوى الكتاب، واضطراب الترتيب فيه. وينشأ عن ذلك نوع من الصعوبة في مطالعة الكتاب، وشيء من العسر في معرفة مواضع أبواب الأصول فيه. فجاء الإمام العماني، وأزال هذا التداخل من كتابه، وأعاد الأمر إلى نصابه، وحقق اليسر فيه، وكان السبّاق إليه.

ونرى هذا التداخل والعسر في "كتاب السبعة في القراءات" لأبي بكر ابن مجاهد، وفي كتاب "المبسوط في القراءات العشر" لأبي بكر أحمد بن الحسين بن مِهْران الأصبهاني، وهما سابقان في التأليف كما عرفنا آنفاً.

وقد اقتدى الحافظ شمس الدين أبو الخير ابن الجَزَري بالإمام العماني، وسار على نهجه في تأليف كتابه الكبير "النشر في القراءات العشر"، فقدّم فيه أبواب أصول القراءات بأجمعها على فرش حروف الاختلاف.

وكان الإمام العُماني مدركاً لأهمية هذه الميزة التي حققها في ترتيب كتابه، ولسبقه إلى إزالة العسر منه. فأشار إلى ذلك في مقدمة الكتاب، وقال مشيداً بصنيعه:» وهو كتاب يشتمل على علم القراءات، ومعرفة وجوه الروايات. وقد رتَّبْته ترتيباً لم يسبق إليه، ورصّعته ترصيعاً لا مزيد عليه «([70]). ولقد صدق في قوله، وحق له التنويه بصنيعه.

® ® ®

وضع الإمام العُماني هذا الكتاب حين حلوله في سِجِسْتان. وكان الدافع لوضعه هو تحقيق رغبة شيخه أبي الحسن علي بن زيد بن طلحة. والظاهر أن هذا الرجل كان من أولي الأمر والسلطان في هذا الإقليم من بلاد الإسلام، أو من ذوي الجاه والشأن في العلم والعرفان. يضاف إلى ذلك رغبة أصحابه القراء هناك، وسؤالهم إياه وضع هذا الكتاب. ولا نرى هذه الرغبة وهذا السؤال إلا دليلاً على علوّ كعب هذا الإمام في علم القراءات، واشتهاره فيه، وذيوع صيته في بلاد الإسلام.

قال في بيان ذلك كله في مقدمة الكتاب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير