تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"وبعد -يرحمك الله- فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثاً، فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة" طرح الأحاديث، يحتمل أمرين: الأمر الأول: الذكر والبيان، طرحها يعني ذكرها، وإلقاؤها بين الناس، ويحتمل أيضاً حذفها وإسقاطها، والأول هو المقصود، المقصود ذكرها والقاؤها بين الناس؛ كأنه يلقي بها هكذا يطرحها على الناس يلقيها بين الناس من غير تمحيص ومن غير تدقيق ومن غير تثبت، والأول هو المقصود، ومنه قول الإمام البخاري في صحيحه (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم) يعني طرح إلقاء المسألة، وهنا طرح الأحاديث، إلقاء الأحاديث، يعني الفرق بين المعنيين، الطرح: بمعنى الذكر والإلقاء، تطرحها بين يديك وأمامك لمن أمامك من الناس، والطرح الثاني بمعنى الحذف والإسقاط أنك تلقيها خلفك فيشتركان في المعنى، إلا أن المقصود مختلف، والمعنى الأول هو المراد هنا، فالإمام مسلم -رحمة الله عليه- ينعى على من يلقي الأحاديث الضعيفة بين عامة الناس، ممن نصب نفسه محدثاً فيما يلزمهم من الفساد بسبب طرح هذه الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة؛ ولا شك أن من يلقي بالأحاديث الضعيفة عند من لا يميز أنه غاش لا سيما إذا كان يعرف ضعفها، وإن كان لا يعرف ضعفها فالأمر متوقف على لفظ ومعنى الحديث الآتي: ((من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب .. )) وبهذا نعرف المسؤولية الملقاة على المعلمين، وعلى الخطباء حينما يلقون بأحاديث لا يعرفون صحتها من ضعفها على عامة الناس، وعلى آحاد الطلاب، الإمام مسلم -رحمة الله عليه- ينعى على هؤلاء صنيعهم ممن نصب نفسه محدثاً.

قد يقول قائل: أن غالب كتب السنة -يعني إذا استثنينا كتب الصحيحين- غالب كتب السنة فيها الأنواع الثلاثة، فيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف، ولا نجد من الأئمة من يقول: هذا حديث ضعيف، هل هو من هذا أو لا؟ يعني المسند فيه أحاديث ضعيفة، بل قال بعضهم: أن فيه أحاديث موضوعة، سنن أبي داود فيه أحاديث ضعيفة، الترمذي، بل فيه ما فيه مما هو أشد من الضعيف، النسائي ابن ماجة فيه موضوعات، هل نقول: إن هذا الإمام مسلم ينعى على هؤلاء؟ أو أن الأمر يختلف؟

فالحكم في عصر الرواية عن الحكم فيما بعده، وإلقاء الخبر على العامة غير إلقاء الخبر على الخاصة، يعني هذه الكتب التي فيها أنواع الحديث هذه المفترض فيها أنها ألفت في أهل العلم وطلاب العلم، والعالم إذا ذكر الخبر بإسناده فقد برئ من عهدته في عصور الرواية؛ لأنهم يعرفون الرواة عاصروهم وعرفوهم وعرفوا ما قيل فيهم، لكن بعد عصور الرواية في القرون التي تأخرت في الرابع في الخامس في السادس بعد انقضاء عصر الراوية لا بد من البيان إلى أن يأتي الوقت الذي لا يجوز فيه إلقاء الضعيف أو الموضوع إلا مبيناً حكمه مع شرح هذا البيان، يعني لا يكفي أن يصعد الإمام المنبر في أسبوع النظافة مثلاً ويقول: إن الناس يتداولون حديث: (النظافة من الإيمان) وهو حديث موضوع، ما يكفي، العامة ما يدرون أيش معنى موضوع؟ لا بد أن يقول: هذا الكلام كذب، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام- بأسلوب يفهمه العامة، لا بد من البيان الشافي الكافي الذي يفهمه المخاطب.

والحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- سئل عن حديث فقال: لا أصل له، الحديث مكذوب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له شخص من العجم: كيف يا شيخ تقول: هذا مكذوب، وهو مروي في كتب السنة بالأسانيد؟ قال: العهدة عليك، أحضره لنا بالأسانيد في كتاب معتبر ونرجع عن القول، فأحضره من الغد من كتاب الموضوعات لابن الجوزي، يعني تعجب الحاضرون من كونه لا يعرف ما معنى الموضوع، وهذا في القرن الثامن، فكيف بالقرون المتأخرة التي تلوثت الأفكار، ومسخت كثير من الفطر، والاصطلاحات قلبت، والموازين غيرت، فلا بد من البيان المناسب للمخاطب، بحيث لا يبقى في ذهنه أدنى لبس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير