قلت: إن المخالف لهؤلاء،بالنظر إلى طبقة الرواة، إنما هو سفيان الثوري و ليس ابن المبارك، لأنه لم يذكر في الرواة عن جعفر بن محمد، و لا ذكر هذا في طبقة شيوخه. فعبارة الشيخ غير مستقيمة، و كان عليه أن يقول:"هذه الزيادة لم ترد إلا من طريق ابن المبارك عن سفيان" أو "لم يأت بها إلا عبد الله بن المبارك "، أو عبارة أخرى بمعناها؛ لأن هذا هو الواقع؛ لا سيما إذا علمت أن مسلما قد رواه من طريق وكيع عن سفيان بدون الزيادة المذكورة كما قد يوحي به صنيعه في " الصحيح" و الذي اغتر به الشيخ في تعليله؛ لكن رواه أبو نعيم في "المستخرج" من نفس الطريق عن وكيع عن سفيان كذلك، بأتم منه و بذكر هذه الزيادة، و سنذكرها فيما بعد.
المهم الآن ذكر عبد الله بن المبارك لهذه الزيادة في حديث جابر، ودعوى ضعفها باعتبار مفهوم الشذوذ في تعليل الشيخ عمرو من جهة، وباعتبار ظوابط زيادة الثقة عند أهل الفن من جهة أخرى. وقد أشار الدارقطني إلى هذا المبحث، و بين أن زيادة الثقة لا تعتبر شاذة في كل الحالات؛ فذكر السلمي في "سؤالاته":
"أن الدارقطني سئل عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؟ قال: ينظر مااجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته، أو من جاء بزيادة فتقبل من متقن، و يحكم لأكثرهمحفظا، و يبنى على ما دونه". ذكر الحافظ قوله هذا في "النكت" (2/ 689) و أضاف:
"و قد استعمل الدارقطني ذلك في "العلل" و "السنن" كثيرا".
و كان الإمام مسلم قد جلى هذه المسألة حيث قال في "مقدمة الصحيح" (في باب بيان ما يتفرد به المحدث من الحديث):
"أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم و الحفظ في بعض مارووا و أمعن في ذلك على الموافقة لهم إذا وجد ذلك، ثم إذا زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته ".
و للحافظ ابن حجركذلك كلام نفيس حول زيادة الثقة، و ضرورة النظر في مراتب الرواة و أحوالهم، حيث علق في "النكت" (2/ 693) على قول ابن الصلاح:
"و الذي نختاره أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدلا حافظا و متقناضابطا" قال الحافظ:
"قلت: و هو توسط بين المذهبين، فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا، و لا نقبلها مطلقا؛ وقد تقدم مثله عن ابن خزيمة و غيره، و كذا قال ابن طاهر: إن الزيادةإنما تقبل عند أهل الصنعة من الثقة المجمع عليه".
فانظر إلى كلامهم في هذه المسألة، و شدة تحريهم في قبول زيادة الثقة، مع حرصهم على عدم إنكار أو طرح حديث الثقات من الرواة لمجرد المخالفة أو الزيادة فقط؛ بل بالنظرإلى حال الراوي و مكانته بين أقرانه و مشاركته لهم في الحفظ و الإتقان كذلك.
ثم على فرض صحة دعوى الشيخ عمرو في مخالفة ابن المبارك لأولائك الذين ذكر بوصفهم:"جمهور أصحاب جعفر بن محمد"، فهل توهن هذه المخالفة زيادته؟ جريا معه في دعواه فقط، حتى نتمكن من النظرفي ذلك التأصيل الذي ذكرنا عن أئمة هذا الفن والإمعان في تطبيق قواعده. فممن ذكر الشيخ من المخالفين: "عبد الوهاب الثقفي و سليمان بن بلال ووهيب بن خالد و يحيى بن سعيد القطان و عبد العزيز بن محمد و يحيى بن سليم و آخرون".
فإن فيهم من غمز في ظبطه و إتقانه، و منهم من هو دون مرتبة ابن المبارك و إن كان ثقة؛ ما عدا يحيى بن سعيد القطان "الإمام الثقة المتقن الحافظ القدوة " كما وصفه الحافظ.أما الآخرين، فنكتفي بحكمه عليهم في "التقريب"؛ طلبا لعدم الإطالة لا هربا من تحقيق أحوالهم، و استعجالا لمقارنتهم بمرتبة ابن المبارك و ليس تنقيصا لمكانتهم أو حطا من مروياتهم:
1 - عبد الوهاب الثقفي؛ قال الحافظ:
"ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين"
2 - وهيب بن خالد؛ قال:
"ثقة ثبت لكنه تغير قليلا بآخرة"
3 - عبد العزيز بن محمد؛ قال:
"صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطيء".
4 - يحيى بن سليم الطائفي؛ قال الحافظ:
"صدوق سيء الحفظ"
5 - سليمان بن بلال؛ قال:
"ثقة".
هذه خلاصة بحث الحافظ ابن حجر في أحوال بعض هؤلاء الرواة ممن جعل الشيخ عمرو مخالفة ابن المبارك لهم باعث له في الحكم على تلك الزيادة بالشذوذ. و ممن روى حديث جابر بدون الزيادة و لم يذكرهم الشيخ الفاضل بل أشار إليهم بقوله "و آخرون":
6 - محمد بن جعفر بن محمد؛ قال الذهبي في "الميزان":
"تكلم فيه"؛ و أقره الحافظ في "اللسان"
7 - مصعب بن سلام؛ قال:
"صدوق له أوهام"
8 - أنس بن عياص؛ قال:
¥