فكما تقدم أن التدليس أنواع عديدة، ولذلك أكثر أهل العلم من الحديث عن هذه الأنواع مع أنهم في كثير من المواضع يطلقون الوصف بالتدليس ولا يحددونه، وفي موضع آخر يبينون هذا النوع من التدليس الذي وصف به هذا الراوي، أو أن بعضهم يصفه بالتدليس ويطلق ولا يبين ثم تجد أن غيره بين هذا النوع.
فمثلاً: (عبدالله بن وهب المصري).
قال عنه ابن سعد كما في (الطبقات) 7/ 518:
(كان كثير العلم ثقة فيما قال: حدثنا وكان يدلس) ا. هـ.
قلت: لا أعلم أن أحداً وصفه (8) بالتدليس غير ابن سعد (9) وقد يُظن من كلام ابن سعد أنه يصفه بتدليس الإسناد والذي يظهر أن ابن وهب لا يدلس تدليس الإسناد بمعنى أنه يسقط من الإسناد من حدثه، وإنما يدلس تدليس الصِّيَغ (10) ويسيء الأخذ أحياناً في الرواية عن شيوخه.
قال ابن معين: سمعت عبدالله بن وهب قال لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد الذي عرض عليك أمس فلان أجزها لي، فقال: نعم.
وقال أيضاً: رأيت عبدالله بن وهب يعرض له على سفيان بن عيينة وهو قاعد ينعس أو وهو نائم. ا. هـ من (تاريخ الدوري) 2/ 236.
وقال أحمد: عبدالله بن وهب صحيح الحديث يَفْصِل السماع من العرض والحديث من الحديث، ما أصح حديثه وأثبته!.
فقيل لأحمد: أليس كان يسيء الأخذ. قال: قد يسيء الأخذ ولكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه وجدته صحيحاً. ا. هـ من (تهذيب الكمال).
وقال عبدالله بن أيوب المخرمي: كنت عند ابن عيينة وعنده ابن معين فجاءه عبدالله بن وهب ومعه جزء فقال: يا أبا محمد أحدث بما في هذا الجزء عنك، فقال لي (11) يحيى بن معين: يا شيخ هذا والريح بمنزلة، ادفع إليه الجزء حتى ينظر في حديثه. ا. هـ من (الكامل) 4/ 1518.
وقال الساجي عنه: (صدوق ثقة، وكان من العباد وكان يتساهل في السماع لأن مذهب أهل بلده أن الإجازة عندهم جائزة، ويقول فيها: حدثني فلان) ا. هـ من التهذيب.
فالذي يبدو أن ابن سعد يقصد ما تقدم، ولا يقصد أن ابن وهب يسقط من حدّثَه.
مثال آخر: (الوليد بن مسلم)
وُصِفَ بالتدليس، وفي بعض المواضع لم يبيّن هذا النوع من التدليس الذي وصف به، وفي الكتب الموسعة تجد أنه يدلس ثلاثة أنواع من التدليس وهي:
1 - تدليس الإسناد.
2 - تدليس التسوية (12).
وهذان مشهوران عنه ولا حاجة إلى ذكر الدليل على ذلك.
3 - تدليس الشيوخ.
قال أبو حاتم ابن حبان في (المجروحين) 1/ 91: (ومثل الوليد بن مسلم إذا قال: ثنا أبو عمرو فَيُتَوهَّم أنه أراد الأوزاعي وإنما أراد به عبدالرحمن بن يزيد بن تميم وقد سمعا جميعاً من الزهري) ا. هـ.
ومثله: بقية بن الوليد يدلس هذه الأنواع الثلاثة.
فعلى هذا: لا بد من تحديد نوع التدليس، لأن كل تدليس يعامل بخلاف الآخر.
3 - فإذا حُدّد نوع التدليس الذي وصف به هذا الراوي.
فإن كان تدليس الإسناد
فالذي ينبغي عمله هو:
أ – هل هو مكثر من هذا التدليس أو مقل؟ فمن المعلوم إذا كان مقلاً من هذا النوع من التدليس يعامل غير ما يعامل فيما لو كان مكثرا.
قال يعقوب بن شيبة السدوسي: سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل: حدثنا، قال: إذا كان الغالب عليه التدليس فلا حتى يقول: حدثنا. ا. هـ من (الكفاية) ص 362.
وما ذهب إليه علي بن المديني ظاهر لأنه إذا كان مقلاً من التدليس فالأصل في روايته الاتصال واحتمال التدليس قليل أو نادر فلا يذهب إلى القليل النادر ويترك الأصل والغالب.
ولأنه أيضاً يكثر من الرواة الوقوع في شيء من التدليس فإذا قيل لا بد في قبول حديثهم من التصريح بالتحديث منهم رُدّت كثير من الأحاديث الصحيحة.
ولذلك لم يجر العمل عند من تقدم من الحفاظ أنهم يردون الخبر بمجرد العنعنة ممن وصف بشيء من التدليس ودونك ما جاء في الصحيحين وتصحيح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ.
·وأما ما قاله أبو عبدالله الشافعي في (الرسالة) ص 379 – 380: (ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته … فقلنا لا نقبل من مدلس حديثاً حتى يقول فيه: حدثني أو سمعت) ا. هـ.
¥