تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جبال تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني، فإنه بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: من سلم على محمد رآه أو لم يره، كان له محمد شافعا ومصافحا. فدخل حلاوة الإنجيل في صدري. قال: فأقام في مقامه حولا، ثم قال: أي بني! إنك قد أحببتني وأحببتك، وإنما قدمت بلادكم هذه: إنه كان لي قريب، فمات، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه، لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة، يقول الله: من وصل قرابته، وصلني، ومن قطع قرابته، فقد قطعني، وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك. قلت: عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي. قال: إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم عليه السلام فدع الوالدة والقرابة، ثم قال: إن الله يصلح بينك وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة. فخرجت معه، فأتينا نصيبين، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه ويبسطون له أرديتهم، وقالوا: مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا. فحمد الله، ودمعت عيناه وقال: إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله، فأبشروا بالنظر إلى الله. ثم قال: إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا، فاستوصوا بهذا الغلام فإني رأيته رقيقا، سريع الإجابة. فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف، فقالوا: لو تعرضت له، فقلت: أنتم أعظم عليه حقا مني، قالوا: أنت ضعيف، غريب، ابن سبيل، وهو نازل علينا، فلا تقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله. فعرضت له فارتعد، ثم جثا على ركبتيه، ثم قال: مالك يا بني؟ جائع أنت؟ عطشان أنت؟ مقرور أنت؟ اشتقت إلى أهلك؟ قلت: بل أطعت هؤلاء العلماء. قال: أتدري ما يقول الإنجيل؟ قلت: لا، قال: يقول من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا، فمات فهو صديق، وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس. فجاء العلماء، فقالوا: يا سيدنا امكث يومك تحدثنا وتكلمنا، قال: إن الإنجيل حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره. فقام فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه، كل ذلك يقول: أوصيكم ألا تحتقروا معصية الله، ولا تعجبوا بحسنة تعملونها. فمشى ما بين نصيبين والأرض المقدسة شهرا يمشي نهاره، ويقوم ليله حتى دخل بيت المقدس، فقام شهرا يصلي الليل والنهار. فاجتمع إليه علماء بيت المقدس، فطلبوا إلي أن أتعرض له. ففعلت. فانصرف إلي، فقال لي كما قال في المرة الأولى. فلما تكلم، اجتمع حوله علماء بيت المقدس، فحالوا بيني وبينه يومهم وليلتهم حتى أصبحوا، فملوا وتفرقوا، فقال لي: أي بني! إني أريد أن أضع رأسي قليلا، فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني. قال: وبينه وبين الشمس ذراعان. فبلغته الشمس، فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة، فلما بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها. فقال: مالك لم توقظني؟ قلت: رحمتك لطول عنائك. قال: إني لا أحب أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده، أفلا رحمتني من طول الموقف؟ أي بني! إني أريد الشخوص إلى جبل فيه خمسون ومئة رجل أشرهم خير مني. أتصحبني؟ قلت: نعم. فقام فتعلق به أعمى على الباب. فقال: يا أبا الفضل تخرج ولم أصب منك خيرا، فمسح يده على وجهه، فصار بصيرا. فوثب مقعد إلى جنب الأعمى، فتعلق به فقال: من علي من الله عليك بالجنة. فمسح يده عليه. فقام فمضى. يعني الراهب. فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا. فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح، فجلست حتى انصرف. فقلت: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فذكر اسمه، فقلت: أتعرف أبا الفضل؟ قال: نعم، وودت أني لا أموت حتى أراه، أما إنه هو الذي من علي بهذا الدين، فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي يخرج من جبال تهامة، يقال له: محمد بن عبد الله، يركب الجمل والحمار والفرس والبغلة، ويكون الحر والمملوك عنده سواء، وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه، لو قسمت بين الدنيا كلها لم يكن لها مكان، بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب باطنها: الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله، وظاهرها: توجه حيث شئت فإنك المنصور، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، ليس بحقود ولا حسود، ولا يظلم معاهدا ولا مسلما. فقمت من عنده فقلت: لعلي أقدر على صاحبي، فمشيت غير بعيد،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير