تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(حسن صحيح غريب) وفي ابن ماجه عقبه: (قال أبو إسحاق: حديث صحيح) ثم رواه أحمد: ثنا شعبة به وفيه الرواية الأخرى وتابعه محمد بن جعفر ثنا شعبة به. رواه الحاكم (1/ 519) وقال: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي وقد أعله بعضهم كصاحب (صيانة الإنسان) وصاحب (تطهير الجنان ص 37) وغيرهما بأن في إسناده أبا جعفر قال الترمذي: (لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وليس الخطمي) فقالوا: هو إذن الرازي وهو صدوق ولكنه سيء الحفظ

قلت: ولكن هذا مدفوع بأن الصواب أنه الخطمي نفسه. وهكذا نسبه أحمد في رواية له (4/ 138) وسماه في أخرى: (أبا جعفر المدني) وكذلك سماه الحاكم والخطمي هذا لا الرازي هو المدني وقد ورد هكذا في (المعجم الصغير) للطبراني وفي طبعة بولاق من سنن الترمذي أيضا. ويؤكد ذلك بشكل قاطع أن الخطمي هذا هو الذي يروي عن عمارة بن خزيمة ويروي عنه شعبة كما في إسناده هنا وهو صدوق وعلى هذا فالإسناد جيد لا شبهة فيه

[70]

علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرا

وأما نحن فنرى أن هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلف فيه وهو التوسل بالذات بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة وأهمها:

أولا: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليدعو له وذلك قوله: (ادع الله أن يعافيني) فهو قد توسل إلى لله تعالى بدعائه صلى الله عليه و سلم لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه و سلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجه به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه و سلم ويطلب منه الدعاء له بل كان يقعد في بيته ويدعو ربه بأن يقول مثلا: (اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تشفيني وتجعلني بصيرا). ولكنه لم يفعل لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة يذكر فيها اسم المتوسل به بل لا بد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة وطلب الدعاء منه له

ثانيا: أن النبي صلى الله عليه و سلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له وهو قوله صلى الله عليه و سلم: (إن شئت دعوت وإن شئت

[71]

صبرت فهو خير لك). وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال:

(صحيح) (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - أي عينيه - فصبر عوضته منهما الجنة) (1)

ثالثا: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه و سلم دعا له لأنه صلى الله عليه و سلم خير من وفى بما وعد وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق فقد شاء الدعاء وأصر عليه فإذن لا بد أنه صلى الله عليه و سلم دعا له فثبت المراد وقد وجه النبي صلى الله عليه و سلم الأعمى بدافع من رحمته وبحرص منه على أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع وهو التوسل بالعمل الصالح ليجمع له الخير من أطرافه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي صلى الله عليه و سلم له وهي تدخل في قوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) كما سبق

وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه و سلم بدعائه للأعمى الذي وعده به بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه ليكون الأمر مكتملا من جميع نواحيه وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون

وقد غفل عن هذا الشيخ الغماري أو تغافل فقال في (المصباح):

(1) رواه البخاري عن أنس وهو مخرج في (الصحيحة) (2010)

[72]

(وإن شئت دعوت. أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به ولقنتك إياه وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير