كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه و سلم بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين وكل الأولياء والشهداء والصالحين وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة
[75]
والإنس والجن أجمعين ولم نعلم ولا نظن أحد قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه و سلم إلى اليوم
إذا تبين للقارئ الكريم ما أوردناه من الوجوه الدالة على أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه صلى الله عليه و سلم وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات فحينئذ يتبين له أن قول الأعمى في دعائه: (اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه و سلم) إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك أي: على حذف المضاف وهذا أمر معروف في اللغة. كقوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} أي أهل القرية وأصحاب العير. ونحن ومخالفونا متفقون على ذلك أي على تقدير مضاف محذوف وهو مثل ما رأينا في دعاء عمر وتوسله بالعباس فإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك ب [جاه] نبيك ويا محمد إني توجهت ب [ذات] ك أو [مكانت] ك إلى ربي كما يزعمون وإما أن يكون التقدير إني أتوجه إليك ب [دعاء] نبيك ويا محمد إني توجهت ب [دعاء] ك إلى ربي كما هو قولنا ولا بد لترجيح أحد التقديرين من دليل يدل عليه فأما تقديرهم (بجاهه) فليس لهم عليه دليل لا من هذا الحديث ولا من غيره إذ ليس في سباق الكلام ولا سياقه تصريح أو إشارة إلى لذكر الجاه أو ما يدل عليه إطلاقا كما أنه ليس عندهم شيء من القرآن أو من السنة أو من فعل الصحابة يدل على التوسل بالجاه فبقي تقديرهم من غير مرجح فسقط من الاعتبار والحمد لله
[76]
أما تقديره فيقوم عليه أدلة كثيرة تقدمت في الوجوه السابقة
وثمة أمر آخر جدير بالذكر وهو أنه لو حمل حديث الضرير على ظاهره وهو التوسل بالذات لكان معطلا لقوله فيما بعده: (اللهم فشفعه في وشفعني فيه) وهذا لا يجوز كما لا يخفى فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها. وليس ذلك إلا على ما حملناه من أن التوسل كان بالدعاء فثبت المراد وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات والحمد لله
على أنني أقول: لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه و سلم فيكون حكما خاصا به صلى الله عليه و سلم لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح لأنه صلى الله عليه و سلم سيدهم وأفضلهم جميعا فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ككثير مما صح به الخبر وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته صلى الله عليه و سلم فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف والله الموفق للصواب
دفع توهم:
هذا ولا بد من بيان ناحية هامة تتعلق بهذا الموضوع وهي أننا حينما ننفي التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وجاه غيره من الأنبياء والصالحين فليس ذلك لأننا ننكر أن يكون لهم جاه أو قدر أو
[77]
مكانة عند الله كما أنه ليس ذلك لأننا نبغضهم وننكر قدرهم ومنزلتهم عند الله ولا تشعر أفئدتنا بمحبتهم كما افترى علينا الدكتور البوطي في كتابه (فقه السيرة) فقال ما نصه: (فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم وراحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم بعد وفاته. . .) كلا ثم كلا فنحن ولله الحمد من أشد الناس تقديرا لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأكثرهم حبا له واعترافا بفضله صلى الله عليه و سلم وإن دل هذا الكلام على شيء فإنما يدل على الحقد الأعمى الذي يملأ قلوب أعداء الدعوة السلفية على هذه الدعوة وعلى أصحابها حتى يحملهم على أن يركبوا هذا المركب الخطر الصعب ويقترفوا هذه الجريمة البشعة النكراء ويأكلوا لحوم إخوانهم المسلمين ويكفروهم دونما دليل اللهم إلا الظن الذي هو أكذب الحديث كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه و سلم (1)
ولا أدري كيف سمح هذا المؤلف الظالم لنفسه أن يصدر مثل هذا الحكم الذي لا يستطيع إصداره إلا الله عز و جل المطلع وحده على خفايا القلوب ومكنونات الصدور ولا تخفى عليه خافية
من كتاب التوسل للعلامة الألباني
ـ[عبدالإله بن أبي عبدالإله]ــــــــ[10 - 03 - 10, 07:45 م]ـ
بارك الله فيك أخي أبو حمزة ... لكن الأعمى قال يا محمد ... فكيف يكون يتوسل بدعائه وهو يوجه الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم، هذا مقصدي أخي الكريم