عليه سبعا قال الشعبي: وكان بدريا. ورجح هذا ابن القطان، ولكن قال البيهقي: رواية موسى والشعبي غلط لإجماع أهل التاريخ على أن أبا قتادة بقي إلى بعد الخمسين. قلت: ولأن أحدا لم يوافق الشعبي على أنه شهد بدرا، والظاهر أن الغلط فيه ممن دون الشعبي، والله تعالى أعلم " (125).
وقد ذكر الذهبي أن عبد الله بن معبد مات قبل المائة (126)، فعلى هذا تكون معاصرته لأبي قتادة ظاهرة وأما ما ذكره الدريس وتبعه عليه المعترض من أن الذهبي قد يكون ذكر ذلك تخمينا وظنا فهذا لا دليل عليه. والذي يراجع تراجم شيوخ عبد الله بن معبد وأقرانه وتلاميذه يجد أن التاريخ الذي ذكره الذهبي ليس ببعيد
وقد ذكر أبو حاتم الرازي أن عبد الله بن معبد الزماني روى عن عمر، وأبي قتادة , وأبي هريرة، وعبد الله بن عتبة، ثم ذكر ابن أبي حاتم بعد هذا أن أبا زرعة سئل عن عبد الله بن معبد، فقال: "لم يدرك عمر" (127) فهو لم يستثن سوى روايته عن عمر، ولم يتعقب روايته عن أبي قتادة وأبي هريرة بشيء، فلو كان إدراكه أبا قتادة غير ممكن لبينه غالبا كما بين ذلك في روايته عن عمر.
وقد ذكر أبو حاتم كما سبق أن عبد الله بن معبد روى عن أبي هريرة. ولم يتكلم أحد في سماعه منه. وروى البخاري في التاريخ الكبير (128) حديثا من رواية عبد الله بن معبد الزماني عن أبي هريرة، ولم يتعقبه بشيء يتعلق بسماع عبد الله بن معبد من أبي هريرة. وأبو هريرة توفي سنة سبع وخمسين على المعتمد كما ذكر ابن حجر (129)، فعلى هذا يكون سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة ممكنا؛ لتقارب وفاتي أبي قتادة وأبي هريرة.
وأما قول المعترض: "وقول أبي زرعة: لم يدرك عمر، يتبين من ذلك بأن عبد الله بن معبد يرسل، ولذلك أرسل عن أبي قتادة كما ذكر أهل العلم، ثم أحال المعترض على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي 5/ 173" (130).
فالجواب أنني راجعت الموضع المحال عليه وغيره من مظان المسألة في هذا الكتاب وغيره فلم أجد أحدا من أهل العلم صرح بأن عبد الله بن معبد أرسل عن أبي قتادة، وإنما يذكرون ما ذكره البخاري من عدم ذكر عبد الله بن معبد سماعه من أبي قتادة.
وأما روايته عن عمر التي استدل بها المعترض على أنه يرسل فهي من تصرف الرواة؛ لأنه لم يرو عن عمر حديثا مستقلا، وإنما روى عن أبي قتادة هذا الحديث في الصيام، وفيه ذكر عمر رضي الله عنه فبعض الرواة جعل الحديث من رواية عبد الله بن معبد عن عمر مباشرة.
وقد سئل الدارقطني عن حديث أبي قتادة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صوم يوم عاشوراء ويوم عرفة فقال: "هو حديث يرويه أبو هلال الراسبي محمد بن سليم عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وغير أبي هلال يرويه عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من مسند أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك قال شعبة وأبان العطار، وهو الصحيح " (131).
وقال الدارقطني في موضع آخر: " والصحيح عن أبي قتادة أنه سمع رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، كيف من يصوم الدهر؟ " (132).
فرواية عبدالله بن معبد عن عمر ليست حديثا مستقلا، وإنما هي وجه من وجوه الاختلاف في رواية حديث أبي قتادة، وهو وجه مرجوح، فعلى هذا لا يصح الاستدلال على أن عبدالله بن معبد يرسل فيبنى على هذا أن يتوقف في روايته عن أبي قتادة لاحتمال أن يكون أرسل عنه كما أرسل عن عمر.
وبعد أن تبين أن هذا الحديث متصل الإسناد عند مسلم ومن على مذهبه ممن لا يشترط ثبوت اللقاء بين المتعاصرين في السند المعنعن يحسن التنبيه على أن مذهب مسلم في هذه المسألة ليس قولا شاذا ولا رأيا مهجورا، وإنما هو مذهب صحيح له وجاهته وقوته، وقد قال به كثير من العلماء، بل نقل مسلم إجماع المحدثين عليه، وشنع على من يخالفه فيشترط ثبوت اللقاء فقال:
¥