فإذا ما قال أبو حاتم الرازي مثلا عن حديث ظاهره الصحة: هذا الحديث الأشبه أنه مرسل، مع عدم مخالفة أحد من الحذاق له في هذا الحكم، فالأشبه أن الحديث مرسل كما قال.
أما المتأخر طبقة ورُتْبة: فليس له أن يماثل أبا حاتم في هذا التعليل أصلا! لأنه ليس له أن يدرك ذلك المقام العالي الذي بوَّأه الله أمثال أبي حاتم والحذَّاق من أئمة هذا الفن. لأنهم كانوا يحفظون للراوي الواحد من أصناف أحاديثه ما يضيق عنه صدر فحل الفحول في هذه الأعصار المتأخرة! فضلا عن كون أصول الرواة والنقلة كانت بأيديهم، يطلعون عليها، ويصححون أغلاطها، ويعلمون دخائلها، والكلام في هذا الصدد طويل الذيل.
وإنما نقبل ذلك من المتأخر: إذا كان مسبوقًا بتضعييف الحديث - الذي ظاهره الصحة - من أحد النقاد جملة.
أو يكون الحديث الذي ظاهره الصحة: لم يسبقه أحدٌ من كبار الحفاظ إلى تصحيحه، كأحمد والبخاري ومسلم وأضرابهم.
وقد كنا رددنا على بعض من حاول مضاهاة المتقدمين في تلك الأنواع الدقيقة من الإعلال: في بعض تخاريجنا الحديثية.
ومن قولنا في بعضها:
وهذا شيء لا نقبله إلا من متقدمي نقاد هذه الصنعة وحسب؛ لأن أصول الأحاديث كانت بأيديهم يطلعون عليها، وينتقون منها، ويميزون بين الخطأ والصواب فيها!! فإذا ما قال ابن المديني مثلاً: (هذا حديث خطأ!! والأشبه أنه مرسل) ولم يعارضه من هو مثله أو فوقه أو دونه ببرهان قائم؛ لزمنا قبول كلامه وإن لم نقف على العلة التي لأجلها حكم على الحديث بالخطأ، ورجَّح إرساله أو وقفه!!
أما سائر المتأخرين من الحفاظ ونَقَدة هذا الفن: فلا نقبل من أحدهم مثل هذا الإعلال دون حجة تقيم عوج كلامه، وتفصح عن مكنون مرامه.
وقلنا أيضا:
فإذا اختصم أبو حاتم وأحمد في تصحيح حديث أو تضعييفه؛ بعد أن ذكر كل واحد منها برهانه فيما يروم؛ فللمتأخر البصير: أن يُرجِّح بين القولين بما أداه إليه اجتهاده ومعرفته؛ لا أن يخطِّأ الرجلين جميعًا!! ثم يحْدِث لنفسه قولاً جديدًا في الحكم علي الحديث!! ولا يفعل هذا إلا كل مخدوع!! جاهل بمراتب أقدار المتقدمين من أحلاس هذا العلم. واللَّه المستعان لا رب سواه
راجع باقي كلامنا على هذا الرابط أدناه:
تضعييف حديث: (عصفور من عصافير الجنة ... ). ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=194136&highlight=%DA%D5%C7%DD%ED%D1+%C7%E1%CC%E4%C9)
وقد نظرنا في دعوى المخالف على كون حديث أبي قتادة هنا يشبه المراسيل: فإذا هي قائمة على عدة احتمالات وظنون لا تستقيم لصاحبها بسبيل الاحتجاج بها ريثما يستقيم ذَنَبُ الضب!
فضلا عن مخالفته في تلك الدعوى لأمثال كبار الحفاظ ممن صححوا هذا الحديث من المتقدمين والمتأخرين.
10 - بعض النكارة في متنه، كغضب النبي صلى الله عليه وسلم ممن سأل عن صيامه! وكيف يغفر لمن صام عرفة سنة لاحقة. مع عدم الاقنتاع بأجوبة بعض أهل العلم على مثل هذه الأمور.
هذا كله ليس بشيء! لا سيما إذا كانت تلك النكارة المزعومة تُدَّعَى في حديث تكاد تكون كلمة الأمة متفقة على تصحيحه البتة! لولا ما كان من كلام البخاري بشأن سماع راويه من أبي قتادة! مع أن كلام البخاري لا يفهم منه أنه يضعف الحديث أصلا!
والحقيقة: أن دعوى نكارة جملة من أحاديث (الشيخين) قد أصبحتْ شِيَةً مرسومة في جبين أبناء هذا العصر! سواء كانوا فضلاء بارعين، أو جهلاء ساقطين!
وأنا أتبرم كثيًرا بالكلام مع الغلاة من المتصدين لهذا الخطب العظيم من بعض أفاضل هذا الزمان!
والمشكلة عند بعض هؤلاء الأفاضل: أنهم يعمدون أولا في نقدهم إلى مخالفة كل حديث إلى العقل والذوق! فإن لم يجدوا! زعموا مخالفته للقرآن! فإن لم يجدوا! ادعوا مخالفته للسنة الصحيحة! وربما جمعوا بين تلك الأمور جميعًا!
والعجيب: أن بعضهم يكاد يكون متخصصًا في نقد أحاديث الصحيحين وحسب!
وكان من نتاج هذه الدعوة الجديدة:
1 - تضععيف حديث الجساسة!
2 - تضعييف حديث طواف سليمان على نسائه!
3 - تضعييف حديث تناول النبي للسم يوم خيبر!
4 - تضعييف حديث أبي وأباك في النار!
5 - تضعييف حديث عدم الإذن للنبي بالاستغفار لأمه!
6 - تضعييف حديث تأبير النخل!
7 - تضعييف حديث يوم فضل يوم عرفة!
وثمة جملة أخرى من الأحاديث التي لا تكاد ترى أحدًا من جهابذة المتقدمين قد تعرض لها! وإنما يجرؤ على النيل منها كل متأخر في الطبقة والرتبة معًا!
ويكون الحامل لهم على النيل من صحتها ابتداءًا: إنما هو مخالفة بعض متونها لعقولهم وأذواقهم! ثم بعذ ذلك تبدأ رحلة البحث عن علل خفية في أسانيدها وطرقها! ريثما يستقيم معها دعوى نكارة متونها!
وكان من شؤم ذلك الانتقاد الحار لأحاديث الشيخين: أن صار هؤلاء القوم يبتكرون عللا لم يسبقهم إليها أحدٌ من أهل الدنيا قاطبة!
وقد طال أخذي مع بعض هؤلاء وردي - حتى مللتُ - على هذا الرابط أدناه:
بيان علل حديث خلق التربة ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=167406)
تابع البقية: ....
¥