ـ وأعيب عليك يا أبا المظفر ذكرك لآسماء الحفاظ المشهورين بأسمائهم كيحيى بن معين والخطيب البغدادي بألقاب غير مشهورة عند أهل العلم والنقد، فقد دلست على القراء هذه الأسماء. عفا الله عنك.ـ
لا تدليس ولا يحزنون يا رعاك الله!
وأنا لا أخاطب عوامًا أو مبتدأين حتى يلزم كلامي وصْفُه بالتدليس!
على أن الذهبي كثيرًا ما يقول في كتبه: " قال أبو بكر ابن ثابت الحافظ ": كذا وكذا! يريد به الخطيب البغدادي.
ويقع مثل هذا كثيرا جدا في كلام الحافظ مغلطاي البكجري. وما رماه أحد من معاصريه أو من دونهم بالتدليس أصلا!
وذلك أنهم: كانوا يحفظون أنساب الأئمة وكناهم، كما يحفظون مثله لأنفسهم!
وقد رُوِّينا عن شيخ الإسلام محمد بن علي بن وهب القشيري أنه اختبر الذهبي فقال له: من أبو محمد الهلالي؟ فقال: هو سفيان ابن عيينة؟ فقال له: فمن أبو طاهر الذهبي؟ قال: هو محمد بن عبد الرحمن المخلص.
ونحوه ورد مع البلقيني وابن حجر، ومع ابن حجر وتلميذه عثمان الدِّيَمِي.
وهؤلاء هم الحفاظ حقا وصدقا.
ولكن: لما طالت علينا الشُّقَّة في الحفظ والمعرفة، لم نستطع أن نطيق وصْفَ الأئمة إلا بالمشهور من أسمائهم وألقابهم وحسب! فالله المستعان. وأعيب عليك قولك: كتبت هذا على عجلة من أمري وقبيل صلاة الفجر؟ وقولك: وأنا مجهد البدن تتذبذب أصابعي؟؟ أهكذا تتعامل مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟!!
نعم: هكذا أتعامل عندما أرى البارعين من أهل المنتدى العامر قد تنكبوا وتقاعسوا - وربما يكون لبعضهم أعذار - عن المشاركة في الذب عن صحة هذا الحديث الشريف هنا.
ثم ما علاقة إرهاق بدني: بتلك المادة العلمية التي تخرج من رأسي وقلبي؟
وإنما كان مرادي من الإفصاح عن ذلك: هو طلب المهلة علينا في الكتابة وحسب، لأن ذلك الإرهاق قد أورثنا بُطْئًا في تسطير حروف الكلمات.
ولولا عجْزُ القادرين على التمام في هذا الموضوع: لما كنتُ شاركتُ فيه أصلا!
وكان نفسي آكل من العجل الذي ذبحته. ابتسامة!
كنت أودُ ذلك! لكن العجل ليس لي! وإنما أنا قصَّاب أجير وحسب! أعمل بين الناس بطُعْمة بطني، وعُقْبة رجلْي!
ولو كان الأمر بيدي: ما تركت في الدنيا من المسلمين جائعًا ولا محتاجًا قط! بل كنتُ أطْعِم الطير والوحوش أيضًا! أحلف على ذلك ولا أستثني.
ولعل المرة القادمة: ننظر في ادخار بعض اللحم لك بما يكون وازعًا لصد لومك لنا هنا! (ابتسامة).
وأقول لك بأن أبا صهيب الحايك قد استغرقه البحث ما يزيد على السنة دراسة للسند والمتن وما زال تحت البحث فيما أعلم! عفا الله عنك! ـ
تضعييف مثل هذا الحديث: ليس مما يحتاج سنة ولا سنتين! بل الأمر أكبر من ذلك يا أخي.
ولو أن الشيخ ظل في بحثه عشرين سنة ثم خرج علينا بمثل ما خرج علينا هنا: ما قبلنا ذلك منه!
على أننا: قد سبقناه بتخريج هذا الحديث والرد على من أعله منذ عدة سنوات في كتابنا (الرحمات)! فكان ماذا؟
وقوام الأمر كله عندنا: هو في ابتكار علل لم يأتي بها أحد من أهل الدنيا على طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان في تضعييف هذا الحديث الشريف!
وأنْكَى تلك العلل وأعْمَلُها في قلبي: هو دعوى النكارة فيه! ثم يتلوها ما ورائها؟
وأقول لك وللشيخ الحايك تلك العبارة السائرة: فأين كان حفاظ الأمة ومحدثوها وفقهاؤها عن نكارة هذا الحديث منذ ما يزيد على ألف وأربع مئة من الأعوام؟
وأما قولك: ولننظر الأن فيما وراء ذلك من الاصرار على رد رواية الثقات بمجرد الظنون المحضة ... وهذا اتهام للنيات وسوء ظن منك بالدكتور الحايك؟! غفر الله لك.ـ
ظني بالشيخ حسن إن شاء الله. وأنا أستعيذ بالله من الطعن في مُسْتَكنِّ النيات، وإن كان صدر مني بعض ذلك هنا. فأنا أتراجع عنه البتة.
وأما قولك: أن أبا قتادة الأنصاري قد صح نزوله دمشق والكوفة فما يمنع من نزوله البصرة؟
أقول لك: أثبت العرش ثم انقش، وقولك ليس فيه دليل على نزوله لأنه لو ثبت دخوله إليها لنقل إلينا عبر كتب الرجال والأماكن والتراجم! والعلماء نقلوا لنا أقل من هذا من رحلات الرواة.
دونك العرش والجالس عليه أيضًا:
أما نزوله دمشق: فقد أثبته الحافظ عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي.
وأما نزوله الكوفة: فقد حكاه غير واحد من العلماء والمؤرخين. راجع ترجمته من (التهذيب) وذيوله.
ـ وأرجو منك التدقيق فيما نقلت عن الخطيب البغدادي من أنه عاش في خلافة علي وحضر معه قتال الخوارج ومات في خلافته، فلو دققت في التواريخ لحللت اللغز؟! وأتركه لك، فأنت له.
ليس هناك ألغاز ولا أحاجي إن شاء الله.
وكل ما في الأمر: أن القضية فيها اختلاف. فقد جزم بعض النقاد بكون أبي قتادة مات بالمدينة، وجزم جماعة بكونه مات بالكوفة، وزاد الشعبي وغيره بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو من صلى عليه هناك.
وأخيرا: أقول لك بأنك قد قسوت على إمام العلل والنقد يحيى بن معين بقولك: هذا ما انتهى إليه علمه؟؟! وأرد عليك بمثل قولك: من حفظ حجة على من لم يحفظ؟ وأقول بأن ابن معين حفظ وغيره لم يحفظ، وخاصة كما تعلم بأن قول ابن معين غالبا ما يكون فصلا في كثير من المسائل.
بعض الإخوان مُغْرَم بإعادة الكّرَّة عشرين مرة! فقد مضى الإجابة عن قول ابن معين مرات.
وأعود هنا وأقول: أين ما حفظه أبو زكريا مما يلزمنا تقديمه على قول من سواه في هذا المقام!
كأن ابن معين قد قال بالحرف: عندي أن فلان لم يسمع من فلان؟
وهناك غيره من الفحول الحفاظ يقولون: كلا! بل عندنا زيادة علم بثبوت سماع فلان من فلان؟
فبالله لمن يقال: من حفظ حجة على من لم يحفظ!
ورجائي الأخير من الإخوان: ألا يشغلونا بمثل تلك الملاحظات عن متابعة ردنا على أول من أثار تلك العلل المبتكرة في تضعييف هذا الحديث الشريف.
والله المستعان لا رب سواه.
¥