أُنْمُوذَج في تفريط أكثر المتأخرين في اجتلاء معاني تصاريف النقاد المتقدمين!
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[22 - 11 - 09, 02:39 م]ـ
.............................. .....................
وقال ابن أبي حاتم في العلل [رقم 374]: (وسمعت أبي وذكر حديثًا: رواه محمد بن الصلت عن أبي خالد الأحمر عن حميد عن أنس ... ) وساق الحديث، ثم قال عن أبيه: (هذا حديث كذب لا أصل له!! ومحمد بن الصلت لا بأس به، كتبت عنه).
قلت: وقول أبي حاتم هذا قد غاظ الإمامَ الألبانيَّ جدًا!! وضاق به ذرعه حتى انطلق لسانه يقول في الصحيحة [1256/ 6 - 1257]: (لم يتبين لي وجه تكذيبه الحديث مع سلامة إسناده من كذاب!! أنا أدري أنه كما أن الكذوب قد يصدق؛ كما في الحديث المعروف؛ فكذاك الصدوق قد يكذب كما في حديث أبي السنابل؛ بمعنى: أنه قد يقول خطًأ: الكذبَ المخالف للواقع؛ ولكنني واللَّه لا أدري ولا أحسب أنه يمكنني يومًا أنْ أدري أنه يمكن أن يقال في حديث الصدوق: (كذب لا أصل له!!) وليس في متنه ما يستنكر فضلاً عن أن يكذب!! وله من الطرق والشواهد، وجريان عمل السلف عليه؛ ما يقطع الواقف على ذلك: أن الحديث صحيح له أصل أصيل ... )!!!!
ثم اشتطَّ الإمام جدًا! فقال عن تصرف أبي حاتم: (فالذي يبدو لي، - واللَّه أعلم - أن ذلك زلة من زلات العلماء!! إنْ لم يكن سبق قلم؛ فيجب أن يُتَّقَى!! .. ).
قلت: قد وقع هذا الكلام مني موقعًا عظيمًا!! حتى جعلتُ أُنْكِر من نفسي وأعْرِف!!
أمثل هذا يصح لإمام الدنيا في هذا الزمان الحاضر؛ أن يقول ما قاله فهمًا منه لكلام أبي حاتم الرازي إمام الدنيا في الزمان الغابر؟!
أوَّه!!! ما أستطيع الكلام! أو ما أدري ما أقول؟!
مثل الإمام الألباني يقسم باللَّه أنه لا يدري ولا يحسب أنه يمكنه يومًا أن يقول - هو أو غيره - في حديث الصدوق: (كذب لا أصل له؟!)
ألا يحق لي أن أقسم باللَّه: أني ما رأيت كاليوم عجبًا قط!! ألا يدري الإمام - وعلمي أنه يدري - أن الكذَّاب هو المخْبِر بخلاف الواقع؟! وهذا يشمل المتعمد والمخطئ؛ كما أن المخطئ قد يكون ضعيفًا أو صدوقًا أو ثقة أو إمامًا حافظًا!!
فأيش الغرابة والعجب من وصْفِ الحديث الذي أخطأ فيه بعض هؤلاء سندًا أو متنًا بكونه (خطأ لا أصل له!!) إذ أنه ليس له وجود في الواقع أصلاً!! أليس الثقة قد يُشبَّه له فيروي موضوعًا أو يحدِّث بباطل!!؟
واخيبتاه إذا كان مثلي يستدرك على الإمام مثل تلك الغفلة العظيمة!!
والأمثلة التطبيقية على ما مضى من كلام المتقدمين من النقاد: كثيرة منثورة في بطون كتب السؤالات والعلل والتخاريج!!
وحسبي منها مثالاً واحدًا: في كونهم قد يُطلقون على الرواية الخطأ: عباراتٍ شديدة؛ اشتهر عند أكثر المتأخرين عدم إطلاقها إلا على روايات الكذابين ومحترفي وضْع الأخبار وحسب!!
مع أن حذاق الصنعة من المتقدمين ما كانوا ينظرون إلى حال صاحب الرواية بقدر نظرهم واهتمامهم بالرواية نفسها من حيث الاستقامة أو الاعوجاج!!
فرُبَّ رواية يصفونها بالنكارة أو البطلان أو الكذب!! ويكون المتفرد بها ثقة مشهورًا، أو حافظ معروفًا!! وهم يعرفون ذلك جيدًا؛ غير أنه لا يمنعهم ذلك من الحكم على روايته التي أخطأ فيها بحسب مقدار خطئه!!
هذا عبد اللَّه بن الإمام أحمد بن حنبل: شهد يحيى بن معين كما في علله [15/ 3]، ورجل يقول له: (تحفظ عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي النبي أنه مسح علي الجبائر!!؟!).
فقال ابن معين: باطل ما حدَّث به معمر قط!! عليَّ بدنة مقلَّدة مجلَّلة إنْ كان معمر حدَّث بهذا قط!! هذا باطل، ولو حدَّث بهذا عبد الرزاق كان حلال الدم!!).
ثم سأل ابنُ معين الحاضرين وقال: (مَن حدَّث بهذا عن عبد الرزاق؟! قالوا له: فلان، فقال: لا واللَّه، ما حدث به معمر، وعليَّ حجَّة من هاهنا- يعني المسجد- إلى مكة إن كان معمر حدَّث بهذا!!).
قلت: وفلان هذا الذي حدَّث بهذا الحديث عن عبد الرزاق: هو شيخ الإسلام وحافظ نيسابور محمد بن يحيى الذهلي كما ذكره الحافظ ابن رجب في شرح العلل [ص /321 طبعة السامرائي]، نقلاً عن (العلل) لعبد اللَّه بن أحمد، وأشار ابن رجب إلا أنه وقع في بعض نسخ (العلل) أنهم ذكروا لابن معين (محمد بن يحيي الذهلي) لما سألهم عمن حدَّث به عن عبد الرزاق؟!
¥