قلت: صنيع الشيخ - رحمه الله - ليس سديدا، فالهيثمي لم يكن متساهلا و لا عن العطب غافلا، فهو يعلم أننا لا نصل إلى عبد الرحمن بن زيد إلى بالمرور على سَرَّاقٍ ضعيف، تعصيبُ الجناية به أولى و أحرى، و هو يحيى بن عبد الحميد الحماني (13)، و أجزم بأن عبد الرحمن بريءٌ مما ألصقه الشيخ به.
قلت: كما أني أتعجب من حكم الشيخ - رحمه الله - على عبد الرحمن بالترك، و الصحيح أنه "ضعيف" كما قال الحافظ في (التقريب،340)، بل ألفيت أبا حاتم يضاهيه بعبد الرحمن بن أبي الرجال كما نقل الحافظ في (التهذيب،6/ 154).
قلت: و هناك متابعة أخرى للحديث،و هي:
ما أخرجه الطبراني في (الأوسط،7/ 372)،و الحاكم في (المستدرك،3/ 657)، من طرق عن أبي الأشعث أحمد بن المقدام، ثنا أصرم بن حوشب، ثنا إسحاق بن واصل، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: قلنا لعبد الله بن جعفر حدثنا بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ورأيت منه، ولا تحدثنا عن غيرك وإن كان ثقة، فذكره بطوله، و الشاهد منه قوله: "وسمعته يقول -صلى الله عليه و سلم-: (عليكم بلحم الظهر فإنه من أطيبه)."
قلت: الحاكم لم يذكر محل الشاهد،و هذا الإسناد تالف،و بيان ذلك كالآتي:
فإسحاق بن واصل من الهلكى كما قال الذهبي في (الميزان،1/ 358)، و قال الأزدي: "متروك الحديث زائغ". (14)
و قد أنكر الأزدي عليه هذا الحديث، إلا أنه من رواية أصرم بن حوشب عنه كما قال الذهبي، و أرى أن الحمل عليه في هذا الحديث، و هذه أقوال الأئمة فيه (15):
قال ابن معين: " كذاب خبيث".
وقال البخاري ومسلم والنسائي:"متروك الحديث".
وقال الدارقطني:" منكر الحديث".
وقال ابن حبان:" كان يضع الحديث على الثقات".
قلت: و به أعلَّ الهيثمي الحديث في (مجمع الزوائد،9/ 170)، و للأصرم فيه إسناد آخر، و هو:
ما أخرجه الطبراني في (الصغير،2/ 205)، فقال: ثنا محمد بن عون السيرافي، بالبصرة حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، حدثنا أصرم بن حوشب، حدثنا قرة بن خالد، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، فذكره.
قلت: شيخ الطبراني محمد السيرافي قال عنه الإسماعيلي كما في (اللسان،5/ 332):"ينسب إلى التفسير، ولم يكن في الحديث بذاك".
قلت: و قد خالف جمعا من الرواة عن أبي الأشعث، مما يرجح أنه وهم في إيراده لهذا السند، و إن لم يكن هذا الإسناد وهما منه، فقد قال ابن عدي بعد أن أورد بعض ما وضعه أصرم على قرة بن خالد في (الكامل 1/ 404):"وهذه الأحاديث بواطيل عن قرة بن خالد كلها لا يحدث بها عنه غير أصرم هذا".
قلت: و بما تقدم تعلم أن هذا الحديث ضعيف ساقط، لا تقوم بمثله حجة، و قد تساهل الضياء عندما زجَّ به في (مختارته)،و ممن ضعف هذا الحديث العلامة ابن مفلح الحنبلي في (الآداب الشرعية،2/ 365). (16)
و من كانت له زيادة أو إفادة فلا يبخل بها مأجورا مشكورا، و أختم الكلام بالصلاة و السلام على نبي الهدى، و على آله و صحبه الأخيار الأطهار، و الحمد الله رب العالمين.
الحديث الثاني: (((إن للقلب فرحة عند أكل اللحم))).