قلت: أورد له الذهبي في (الميزان) جل الأحاديث التي أنكرها عليه ابن عدي في (الكامل)،و العقيلي في (الضعفاء)، ثم قال:"وهذه موضوعات".
قلت: و أعقبه سبط ابن العجمي قائلا:"فيحتمل أنه وضعها، ويحتمل غيره، والله أعلم"، و قد ألفيت الذهبي جزم بأن عبد الله ابن المغيرة وضعه هذا الحديث بعينه في تلخيصه (للموضوعات،245).
قلت: أستبعد أن يكون عبد الله ابن المغيرة وضعه،فالحفاظ لم يتهموه بالوضع، بل أنكروا عليه كثرة تفرده على الثقات بالمنكرات، و يظهر لي أن الرجل كان مُغَفلا مُخَلٍّطا لا يدري ما يخرج من رأسه، وأما الأحاديث التي نعاها العقيلي عليه فهي من رواية مقدام بن داود الرعيني عنه، و هو متكلم فيه (3)، و أما ما نعاه ابن عدي عليه فبعضها من رواية مقدام بن داود، و بعضها من رواية غيره عنه، و الحمل فيها عليه كحديثنا هذا، الذي قال فيه ابن عدي:"وهذا عن الثوري بهذا الإسناد، لا يرويه إلا عبد الله بن المغيرة وهو منكر".
و قال البيهقي:" تفرد به عبد الله بن محمد بن المغيرة عن الثوري".
و قال ابن طاهر المقدسي -تبعا لابن عدي- في (ذخيرة الحفاظ،2/ 952):" وهذا لم يروه عن الثوري بهذا الإسناد، إلا عبد الله هذا، وهو ضعيف، والحديث منكر". (4)
قلت: و هو حديثٌ منكَرٌ، جِدُّ ساقطٍ، و هو إلى الوضع أقرب.
قلت: و قد قال الشيخ المحدث أبو إسحاق الحويني - حفظه الله - متعقبا على ابن عدي جزمه بتفرد عبد الله بن المغيرة بهذا الحديث:" فلم يتفرد به عبد الله بن المغيرة، فقد تابعه مصعب بن ماهان، عن الثوري بسنده سواء". (5)
قلت: ثم ذكر المتابعة، و هي ما أخرجه ابن حبان في (المجروحين،1/ 146) فقال: ثنا الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرخ، ثنا احمد بن عيسى الخشاب، ثنا مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري به مثله.
قلت: و يسقط اعتراض الشيخ أبي إسحاق لما تعلم أن هذه المتابعة خرافة نسجها أحمد بن عيسى الخشاب (6)، و هذه أقوال الحفاظ فيه:
فقد قال عنه ابن حبان:"يروي عن المجاهيل الأشياء المناكير، وعن المشاهير الأشياء المقلوبة، لا يجوز عندي الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار."
و قال الدارقطني:" ليس بالقوي".
و قال ابن عدي:" حدث بأحاديث لا يحدث بها غيره".
و قال مسلمة بن قاسم:"كذاب حدث بأحاديث موضوعة".
و قال ابن يونس:" كان مضطرب الحديث جدا".
وقال محمد بن طاهر:"كذاب يضع الحديث".
قلت: فهو متهم بالكذب، و قد جزم ابن حبان في (المجروحين) أن هذا الحديث موضوع، و كذا فعل ابن الجوزي في (الموضوعات)، و قبله أورده ابن طاهر في (معرفة التذكرة،124).
قلت: و ذكر العلامة ابن القيم - رحمه الله - هذا الحديث في (المنار المنيف،55) ضمن الأحاديث السمِجَة التي يُسخر منها. (7)
قلت: و ترجم ابن الجوزي لهذا الحديث بـ (باب ذم اللحم)، و الصحيح أنه في ذم الإكثار من اللحم، و قد ورد ما يشهد لشِقِّه الأول من حديث سلمان -رضي الله عنه-، و هو:
ما أخرجه البيهقي في (الشعب،5/ 32) فقال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن موسى النهريري، ثنا صفوان بن عمرو السكوني، ثنا يحيى بن صالح، عن بشر بن منصور، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
((إن للقلب فرحة عند أكل اللحم)).
قلت: هذا السند شبيه بالظلمة، فشيخ البيهقي و كذا شيخُ شيخِه وُثِّقا (8)، و بذاك نأمن من جانبهما، و أما محمد بن موسى فلم أقف عليه بعد البحث، و كذا شيخه صفوان بن عمرو السكوني لم أعرفه بعد التنقير،
و يحيى بن صالح أراه الوحاظي، و هو "ضعيف" (9)،و شيخه بشر بن منصور أراه السليمي (10)،و شيخه علي متكلم فيه، و على كل حال فهذا شاهد واهٍ لا يساوي فلسا.
قلت: و بالجملة فالحديث أقرب للوضع منه للضعف، و الله تعالى أعلم.