فلا أعتبر الألفاظ المختلفة، ذات المعنى المترادف لغةً، مجموعة واحدة. فلا أجمع ـ مثلاً ـ مصطلح (الصحيح) بـ (القوي) بـ (الثابت) بـ (الجيد)، حتى يثبت عندي، بعد نهاية الخطوات في كل واحدٍ منها، أنها بمعنى واحد.
ولا اقوم بفصل المصطلح المركب، كل لفظٍ منه مع نظرائه. مثل مصطلح (حسن صحيح)، فلا أفصل فيه لفظ (حسن) عن (صحيح)، وأضع كل لفظٍ منهما مع نظرائه المفردين. بل أدرس المصطلح المركب وحده، باعتباره مجموعة منفصلة
فإذا اشتبه عندي مصلطح مكون من لفظين، هل هو مركب؟ أو لا؟ مثل (حين غريب) أو (صحيح شاذ). فيجب علي أولاًُ أن أدرس المصطلحات التي جاءت مفردةً مما تركب منه هذا الإطلاق، فأدرس (الحسن) الذي أطلق مفرداً دون تركيب، وكذا (الغريب). حتى إذا استقر عندي معناهما مفردين، درست ذلك المصطلح المجموع فيه اللفظان: مثل (حسن غريب)؛ فإذا ظهر أن مدلول كل لفظٍ وحده لم يتغير بهذا التركيب، علمنا أن هذا المصطلح ليس مركباً، ويصح حينها فك تركيبه، ووضع كل لفظةٍ منه مع نظرائها. أما إن ظهر أن مدلول أحدهما أو كليهما تأثر بهذا التركيب، فحينها نعتبر هذا المصطلح مصطلحاً مركباً، ولا يصح حينها فك تركيبه، ولا دراسة كل لفظة منه مع نظرائها المفردات.
ونحو ذلك كثير، خاصةً في ألفاظ الجرح والتعديل. مثل: (ثقة صدوق)، و (صدوق فيه لين) و (صالح فيه ضعف)، ونحوها كثير.
أما إذا أيقنت إيقاناً تاماً أن المصطلحين ليسا مركبين، غير معتمدٍ في يقينك على إلفٍ سابق أو نشأةٍ علمية، فحينها لا بأس بفك ذلك التركيب، ووضع كل لفظةٍ منه مع نظرائها. وذلك أمثلة (صحيح مرفوع)، و (حافظ عابد).
ولا بد أيضاً في هذه الخطوة من أن تقسم المجموعة الواحدة المكونة من لفظٍ واح إلى مجموعات فرعيه، هذه المجموعات الفرعية مبنية في تقسيمها على اختلاف اشتقاق اللفظ الواحد، من أسم، وفعل، ومصدر. إذ قد يختلف معنى المصطلح، لا باختلاف لفظه، لكن باختلاف اشتقاقه؛ كما قالوا في (المنقطع) و (المقطوع) (1)، وكما سبق عن الحافظ ابن حجر في (أرسل) و (مرسل) (2).
لكن يجب عليك أن لا تدرس تلك المجموعات الفرعية المبنية على اختلاف الاشتقاق دراسةً منفصلةً لكل واحدةٍ منها، لأن احتمال اختلاف المعنى باختلاف الاشتقاق ليس كبيراً، ولأن ذلك قد يجعل عدد المسائل الجزئية في كل مجموعة ضئيلاً لا نخرج معه بنتيجة، ولأن في ذلك تعسيراً بالغاً لا طائل تحته. ويكفي في دراسة هذه المجموعات، أن تجعل كل اشتقاق تحت نظيره متوالياً، ثم الاشتقاق الآخر كذلك؛ وبعد ذلك تدرس المسائل الجزئية، فإذا ظهر لك أن لمجموعةٍ ما معنى مختلفاً عن غيرها، فصلته، وإلا بقي ضمن مجموعته الأساسية.
وأعود أخرى مؤكداً إلى ضرورة الدقة المتناهية في هذه الخطوة: خطوة التفنيد، لأن الخطأ فيها قد يهدم النتيجة قبل الوصول إليها، ولأن الخطأ فيها أضر من التقصير في الاستقراء. فقد أصل إلى النتيجة الصحيحة مع نقص الاستقراء، في حين أنه يبعد أن أصل إلى النتيجة الصحيحة فيما إذا خلطت بين الألفاظ ولم أتقن التفنيد.
والخطوة الثالثة: دراسة المسائل الجزئية في المجموعة الواحدة، تحت الإطلاق الواحد.
وتتم هذه الدراسة بفحص كل مسألة جزئية فحصاً دقيقاً، ليمكنني ـ فيما بعد ـ إيجاد رابطٍ واضح بين ذلك الإطلاق وتلك المسألة الجزئية التي أطلق عليها.
فإن كانت المسألة الجزئية حديثاً: درست إسناده دراسةً وافية، وخرجته تخريجاً كافياً، وتظرت في أحكام الأئمة الأخرى على الحديث.
وإن كنت المسألة الجزئية جرحاً أو تعديلاً: اجتهدت غاية الاجتهاد في معرفة المرتبة الدقيقة لذلك الراوي من مراتب الجرح والتعديل، وذلك من خلال دراسةٍ وافية كثيرة التشعبات دقيقة المسالك. وبعد أن أعرف الراجح في ذلك الراوي، أوازن الراجح فيه بالحكم الذي أصدره ذلك الإمام. وإن أضفت إلى ذلك أحكاماً لأئمة آخرين من طبقة الإمام الذي أدرس مصطلحه، كان ذلك أثرى وأوثق وآمن، لكن يجب أن يكونوا أئمةً عينتهم للدراسة كلها، فلا تختار لكل مسألة أئمة سوى من ذكرتهم في سابقتها.
¥