وهذا واضح، فإن المُطالع لكثيرٍ من كُتب المُفسرين وكُتب المواعظ وبعض السنن يجِّد أن هذه الكُتب لا تخلوا من بعض الأحاديث الضعيفة.
وهذا هو مذهب الإمام النووي رحمه الله والذي عزاه إلى بعض المُحدثين والفقهاء ((أنه يجوز رواية الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب ما لم يكن موضوعاً)).
وقال شيخنا الدكتور علي حسن عبدالحميد الحلبي سدده الله ”هذه الكلمة يستعملها كثيراً الإمام النووي في كُتبه“ ... [التعليق على الأربعين النووية (ص95)].
ولكن الصحيح أن العلماء والفقهاء والمحدثين اختلفوا في رواية الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الأعمال على قولان:
القول الأول: ((أنه لا يُعمل بالحديث الضعيف مُطلقاً، لا في الأحكام والعقائد ولا في فضائل الأعمال)) ...
وممن قال بذالك ((الإمام البخاري، والإمام مسلم، والإمام أبو زكريا النيسابوري، والإمام أبو زرعة الرازي، والإمام أبو حاتم الرازي، والإمام إبن أبي حاتم الرازي، والإمام إبن حِبان، والإمام أبو سليمان الخطابي، والإمام إبن حزم الظاهري، والإمام أبو بكر بن العربي، وشيخ الإسلام إبن تيمية، والإمام أبو شامة المقدسي، والإمام جلال الدين الدواني، والإمام الشوكاني، وأختار هذا القول العلامة جمال الدين القاسمي، والعلامة حسن صديق خان، والمُحدث أحمد شاكر، والمحدث الألباني، والمحدث مقبل بن هادي الوادعي)).
قال الإمام مسلم بن الحجاج ”وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث، وناقلي الأخبار، وأفتوا بذالك لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب“ [مُقدمة صحيح مسلم (1/ 28)].
وقال الحافظ إبن رجب الحنبلي ”وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمته (يعني الصحيح) يقتضي أنه لا تُروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا ممن تُروى عنه الأحكام“ [شرح علل الترمذي (2/ 112)].
وقال الإمام إبن العربي ”لا يجوز العمل بالحديث الضعيف مُطلقاً لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها“ [تدريب الراوي (1/ 252)].
وقال الإمام إبن الجوزي ”إن قوماً منهم القصاص كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب، ولبَسَ عليهم إبليس بأننا نقصد حث الناس على الخير وكفهم عن الشر، وهذا إفتأت منهم على الشريعة؛ لأنها عندهم على هذا الفعل ناقصة تحتاج إلى تتمة، ثم نسوا قوله r ( مَن كذب عليَّ مُتعمداً فليتبوأ مقعدَه من النار) “ [تلبيس إبليس (ص124)].
وقال شيخ الإسلام إبن تيمية ”ولا يجوز أن يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة“ [القاعد الجليلة في التوسل والوسيلة (ص82)].
وقال أيضاً ”ولم يقل أحد الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مُستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع“ [مجموع الفتاوى (1/ 250)].
وقال العلامة اللكنوي ”ويُحرم التساهل في (الحديث الضعيف) سواءً كان في الأحكام أو القصص أو الترغيب أو الترهيب أو غير ذالك“ [الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص21)].
وقال العلامة جمال الدين القاسمي ”إعلم أنَّ هناك جماعة من الأئمة لا يرونَ العمل بالحديث الضعيف مُطلقاً كابن معين والبخاري ومسلم وأبي بكر بن العربي وإبن حزم“ [قواعد التحديث (ص113)].
وقال العلامة حبيب الرحمن الأعظمي ”ولكن الحديث قدرَ ما كان بعيداً عن وسمة الضعف، ونقياً من شائبة الوهم، كان أشدُ وقعاً في القلوب وتأثيراً في النفوس لزيادة الثقة به، واطمئنان النفس إليه“ [مُقدمة مختصر الترغيب والترهيب (ص06)].
وقال المُحدث أحمد شاكر ”والذي أراه أنَّ بيان الضعف في الحديث واجب على كل حال، ولا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حُجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله من حديث صحيح أو حسن“ [الباعث الحثيث (ص101)].
وهذا القول إختاره المحدث محمد ناصر الدين الألباني [أنظر صحيح الترغيب والترهيب (1/ 47)].
وقال رحمه الله ”العمل بالضعيف فيه خلاف عند العلماء، والذي أُدينُ الله به، وأدعوا الناس إليه، أنَّ الحديث الضعيف لا يُعمل به مُطلقاً لا في الفضائل ولا المُستحبات ولا غيرها“ [صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 49)].
¥