وقد حصل بينه وبين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه شيء من الخلاف، وكل منهما قد اجتهد، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد وخطؤه مغفور، والواجب على كل مسلم أن يصون لسانه عما جرى بينهما خصوصاً، وعما جرى بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عموماً، إلا بالكلام في الخير، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (العقيدة الواسطية): ((ومن أصول أهل السنة والجماعة، سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه)).
وقال شارح الطحاوية: ((فمن أضل ممن يكون في قلبه غلّ على خيار المؤمنين، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين))، وقال أيضاً بعد الإشارة إلى ما جرى بين عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما واعتذاره عنهما: ((ونقول في الجميع بالحسنى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) والفتن التي كانت في أيامه ـ أي أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ـ قد صان الله عنها أيدينا فنسأله تعالى أن يصون عنها ألسنتنا بمنه وكرمه)). انتهى.
ويقول الطحاوي ـ رحمه الله ـ في عقيدته: ((وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلاّ بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل)).
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في (البداية والنهاية): وروى البيهقي عن الإمام أحمد أنه قال: ((الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ. فقيل له فمعاوية، قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمان عليّ من عليّ، ورحم الله معاوية.
وقال: قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني عباد بن موسى حدثنا عليّ بن ثابت الجزري عن سعيد بن أبي عروبة عن عمر بن عبد العزيز قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلمت عليه وجلست، فبينا أنا جالس إذ أتي بعليّ ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج عَليٌّ وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة، ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة)).
وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية فقال له: ولِمَ؟
قال: لأنه قاتل عليّاً، فقال له أبو زرعة: ويحك، إن رب معاوية رحيم وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما؟
رضي الله عنهما.
وسئل الإمام أحمد عما جرى بين عليّ ومعاوية فقرأ: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وكذا قال غير واحد من السلف.
وقال الأوزاعي: سئل الحسن عما جرى بين عليّ وعثمان فقال: ((كانت لهذا سابقة ولهذا سابقة، ولهذا قرابة ولهذا قرابة، فابتلي هذا، وعوفي هذا))، وسئل عما جرى بين عليّ ومعاوية فقال: ((كانت لهذا قرابة، ولهذا قرابة، ولهذا سابقة ولم يكن لهذا سابقة فابتليا جميعاً))، وقال أيضاً: وقال محمد بن يحيى بن سعيد: سئل ابن المبارك عن معاوية، فقال: ((ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فقال خلفه: ربنا ولك الحمد))، فقيل له: أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: ((لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز)).
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره: سئل المعافى بن عمران: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فغضب وقال للسائل: ((أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين؟
معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله)).
¥