مثل اختلافهم في خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول والتصديق أو الذي اتفقت على العمل به فعند عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين أنه يفيد العلم، وذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لا يفيده.
وكذلك الخبر المروي من عدة جهات يصدق بعضها بعضاً من أناس مخصوصين قد تفيد العلم اليقيني لمن كان عالماً بتلك الجهات وبحال أولئك المخبرين وبقرائن وضمائم تحتف بالخبر وإن العلم بذلك الخبر لا يحصل لمن لا يشركه في ذلك.
ولهذا كان علماء الحديث الجهابذة المتبحرون في معرفته قد يحصل لهم اليقين التام بأخبار وإن كان غيرهم من العلماء قد لا يظن صدقها فضلاً عن العلم بصدقها، ومبني هذا على أن الخبر المفيد للعلم يفيده من كثرة المخبرين تارة، ومن صفات المخبرين أخرى، ومن نفس الإخبار به أخرى، ومن نفس إدراك المخبر له أخرى، ومن الأمر المخبر به أخرى، فرق عدد قليل أفاد خبرهم العلم لما هم عليه من الديانة والحفظ الذي يؤمن معه كذبهم أو خطؤهم وأضعاف ذلك العدد من غيرهم قد لا يفيد العلم. هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وهو قول جمهور الفقهاء والمحدثين وطوائف من المتكلمين. اهـ.
وقال الإمام المحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله في الصواعق (4/ 1459). من مختصره.
الأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية العلمية أربعة أقسام:
أحدها: متواتر لفظاً ومعنى.
الثاني: أخبار متواترة معنى وإن لم تتواتر بلفظ واحد.
الثالث: أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة.
الرابع: أخبار آحاد مروية بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر الأمثلة على ذلك واستطرد رحمه الله على عادته.
ثم قال في (1465): فصل خبر الواحد بحسب الدليل الدال عليه فتارة يجزم بكذبه لقيام دليل كذبه، وتارة يظن كذبه إذا كان دليل كذبه ظنيّاً، وتارة يتوقف فيه فلا يترجح صدقه ولا كذبه إذا لم يقل دليل أحدهما،وتارة يترجح صدقه ولا يجزم به، وتارة يجزم بصدقه جزماً لا يبقى معه شك.
فليس خبر كل واحد يفيد العلم ولا الظن ولا يجوز أن ينفى عن خبر الواحد مطلقاً أنه يحصل العلم فلا وجه لإقامة الدليل على أن خبر الواحد لا يفيد العلم وإلا اجتمع النقيضان، بل نقول: إن خبر الواحد يفيد العلم في مواضع. . . فذكرها وأطال في تقريرها فليرجع إليه.
وقال الإمام الحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي في شرح البخاري (1/ 189): في خبر تحويل القبلة، وما يقال من أن هذا يلزم منه نسخ المتواتر – وهو الصلاة إلى بيت المقدس – بخبر الواحد فالتحقيق في جوابه: أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرائن فنداء صحابي في الطرق والأسواق بحيث يسمعه المسلمون كلهم بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها موجود لا يتداخل مع سمعه شك فيه أنه صادق فيما يقوله وينادي به والله أعلم.
وقال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاوى ومقالات (4/ 99).
المقبول عندهم – يعني أهل العلم – أربعة أقسام:
صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره، هذا ما عدا المتواتر، أما المتواتر فكله مقبول سواء كان تواتره لفظياً أو معنوياً فأحاديث المهدي من هذا الباب متواترة تواتراً معنوياً فتقبل بتواترها من جهة اختلاف ألفاظها ومعانيها وكثرة طرقها وتعدد مخارجها ونص أهل العلم الموثوق بهم على ثبوتها وتواترها. اهـ.
الخلاصة: أن خبر الآحاد إذا احتفت به القرائن أفاد العلم القاطع وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وجمهور الأمة ([2])
وإذا تجرد عن القرائن لا يحصل به اليقين ولا يفيد العلم باتفاق وهذا أمر لا نزاع فيه ([3])
إذا عرفنا هذا وجزمنا بوجوب العلم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يبلغ حد التواتر ولو لم تحتف به قرينة في جميع أبواب الدين كما هو قول جميع من يعتد به من أهل العلم ولا فرق في ذلك بين العقائد والأحكام وغيرهما قال الإمام المحقق ابن القيم في الصواعق (4/ 1570) المختصر: المقام الخامس أن هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب حاصل منها ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها فما الفرق بين الطلب وباب الخبر بحيث يحتج في أحدهما دون الآخر؟ وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث
¥