وقال أبو داود السجزي: حدث شعبة عن جماعة من الضعفاء: عن مسلم الأعور والعرزمي وعمرو بن عبيد وموسى بن عبيدة وجابر الجعفي والحسن ابن عمارة، وكان شعبة يقول: لا يحل لي أن أحدث عن احسن بن عمارة.
وقال: قد حدث يحيى ـ يعني القطان ـ عن مشايخ ضعفاء على نقده للرجال: أجلح ومجالد وجعفر بن ميمون صاحب الأنماط، وكان يحدث عن عمرو بن عبيد ثم تركه بآخره، وحدث عن موسى الأسواري ثم تركه (1).
وقال أبو حاتم بن حبان: وأما شعبة وغيره من شيوخنا فإنهم رأوا عند جابر الجعفي أشياء لم يصبروا عنه وكتبوها ليعرفوها، فربما ذكر أحدهم الشئ بعد الشئ على جهة التعجب فتداوله الناس بينهم، والدليل على صحة ما ذكرنا أن وكيعاً قال لشعبة: مالك تركت فلاناً وفلاناً ورويت عن جابر الجعفي؟ قال: روى أشياء لم نصبر عنها.
وقال محمد بن أبي رافع: رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر ر، وهو يكتبه، فقلت: يا أبا عبد الله تنهوننا عن حديث جابر وتكتبونه؟! قال: نعرفه (2).
وهم متفاوتون في انتقاء المشايخ فمنهم المتسمح ومنهم المتوقي والمتشدد.
قال القعنبي: سمعت مالكاً يقول لسفيان الثوري: لا تكتب عن رجال فيهم ما فيهم، فغضب. قال: فقال شعبة:لا تأخذوا عن سفيان الثوري إلا عن رجل تعرفون، فإنه لا يبالي عمن حصّل الحديث (3)
قال الذهبي: مروان بن معاوي الفزاري، ثقة عالم صاحب حديث لكن يروي عمن ذهب ودرج، فيستأنى في شيوخه. قال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين (4). وقال ابن نمير: كان يلتقط الشيوخ من السكك (5).
قلت: وإن كان الراوي عن المجهول موصوفاً بتدليس الشيوخ، فإن ذلك مما يوهنه.
قال أبو حاتم: إن محمداً بن سعيد صلب في الزندقة، والناس يموهون في الرواية عنه، فيقلبون اسمه حتى لا يفطن له، مروان بن معاوية يسميه محمداً بن أبي قيس، وعبد السلام بن حرب: يقول: محمد بن حسان، ومنهم من يقول:أبو عبد الله الشامي، ومنهم من يقول: أبو عبد الرحمن الأردني (6)
وقال ابن حبان رحمه الله: فلا يجوز الاحتجاج بخبر من في روايته كنية إنسان لا يدرى من هو، وإن كان دونه ثقة؛ لأنه يحتمل أن يكون كذاباً كنى عن ذكره (1). انتهى.
وممن يدلس الشيوخ: مروان بن معاوية الفزاري، وبقية بن الوليد، والوليد بن مسلم، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، ومحمد بن إسحاق، وهشيم بن بشير الواسطي.
وقال ابن المبارك: نعم الرجل بقية، لولا أنه يكني الأسامي ويسمي الكنى، كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا فإذا هو عبد القدوس (2).
ولكن يلاحظ أن تدليس اشيوخ قد يكون سببه الإغراب والتكثر من الشيوخ. وإن لم يكن الذي
عمي في الإسناد ضعيفاً. وكان يفعل ذلك سفيان الثوري. وأوهى مراتب المجهولين الذين لم يرو
عنهم إلا الضعفاء.
قال ابن حبان: أما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متركون على الأحوال كلها (3).
وقال (4): زعم ابن معين أن أبان بن عبد الله الرقاشي ضعيف، وهذا شئ لا يتهيأ لي الحكم به؛ لأنه لا راوي له عنه إلا ابنه يزيد، ويزيد ليس بشئ في الحديث، فلا أدري التخليط في خبره منه أم من أبيه؟ على أنه لا يجوز الاحتجاج بخبره على الأحوال كلها؛ لأنه لا راوي له غير ابنه.
قلت: ولما كانت الجهالة بهذا المعنى فإن جهابذة النقاد صيارفة الحديث تارة يصححون أحاديث المجاهيل، وتارة يردونها، وإليك بعض الأمثلة المصرحة بذلك:
قال عبد الخالق بن منصور: سألت يحيى بن معين عن حاجب فقلت: أترى أن أكتب عنه؟ فقال: ما أعرفه، أما أحاديث فصحيحة. فقلت: أترى أن أكتب عنه؟ فقال: ما أعرفه وهو صحيح الحديث، وأنت أعلم (5).
وسأل الدارمي ابن معين عنه أبي دراسة ما حاله؟ فقال: إنما يروي حديثاً واحداً ليس به بأس (6).
وقال ابن الجنيد: سألت يحيى عن حديث شريك عن علي بن علي عن إبراهيم قال: سمع علقمة مؤذناً بليل، فقال: خالف هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لو بات على فراشه كان خيراً له.
قلت ليحيى: من علي بن علي هذا؟ قال: هذا علي بن السائب، كوفي ثقة، يحدث عن شريك. قلت: من يحدث عنه غير شريك؟ قال: ما علمت أحداً يحدث عنه غير شريك (1).
¥