هل ثبت حديث أن الصحابة رقصوا ويستدل بذلك على الرقص في حلَق الذِّكر؟
ـ[الأثري الفراتي]ــــــــ[07 - 02 - 10, 03:30 ص]ـ
هل ثبت حديث أن الصحابة رقصوا ويستدل بذلك على الرقص في حلَق الذِّكر؟
السؤال: الكثير من المتصوفة يتخذون هذا الحديث دليلاً لرقصهم ودروشتهم ويقولون: إن شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره قالوا بصحته، هذا الحديث في " مسند أحمد " برقم (860): قال علي رضي الله عنه: زرت النبي صلى الله عليه وسلم مع جعفر وزيد بن حارثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد: (أنت مولاي) فبدأ زيد يحجل ويقفز على رجل واحدة حول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لجعفر: (أما أنت فتشبهني في خَلقي وخُلقي) فحجل جعفر كذلك، ثم قال لي: (أنت مني وأنا منك) فحجل خلف جعفر. فما تعيقكم على هذا الحديث؟ هل هو صحيح؟ وهل يمكن للشخص أن يرقص ويقفز بهذا الشكل لإرضاء الله؟.
الجواب: الحمد لله
أولاً:
الحديث الوارد في السؤال رواه أحمد (2/ 213)، ولم يصححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيما نعلم من كتبه التي بين أيدينا، أو كتب أصحابه. ثم متى كان هؤلاء الصوفية ـ يا عباد الله ـ يقيمون وزناً لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى يقبلوا قوله في الحكم على الأحاديث.
ثانياً:
الحديث المذكور في السؤال فيه علتان:
الأولى: جهالة أحد رواته، وهو " هانئ بن هانئ ".
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، قال: وكان يتشيع، وقال ابن المديني: مجهول، وقال حرملة عن الشافعي: هانئ ابن هانئ لا يُعرف وأهل العلم بالحديث لا يثبتون حديثه لجهالة حاله.
" تهذيب التهذيب " (11/ 22).
والثانية: تدليس أبي إسحاق السبيعي.
قال أبو سعيد العلائي – رحمه الله -:
عمرو بن عبد الله السبيعي أبو إسحاق، مشهور بالكنية، تقدم أنه مكثر من التدليس.
" جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (ص 245).
والحديث ضعفه محققو مسند الإمام أحمد (2/ 213، 214) وقالوا:
إسناده ضعيف، هانئ بن هانئ تقدم القول فيه، ومثله لا يحتمل التفرد، ولفظ " الحجل " في الحديث منكر غريب.
انتهى
وللحديث طريق أخرى رواها ابن سعد في " الطبقات " (4/ 35، 36) عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال ... فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه فقال النبي عليه السلام: (ما هذا؟) قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم.
والحديث ضعيف مرسل، فمحمد الباقر بن علي زين العابدين لم يدرك أحداً ممن ذُكر في الحديث من الصحابة رضي الله عنهم.
وقد حكم عليه بالإرسال: الزيلعي في كتابه " نصب الراية لأحاديث الهداية " (3/ 268)، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (3/ 256).
ثالثاً:
الحديث رواه البخاري في صحيحه - (2552) – وليس فيه تلك اللفظة المنكرة التي استدل بها الصوفية على رقصهم.
ونص روايته:
" ... فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ: (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ) وَقَالَ لِعَلِيٍّ: (أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: (أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي) وَقَالَ لِزَيْدٍ: (أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا).
انتهى
رابعاً:
على فرض صحة الحديث فليس فيه أنهم رقصوا في حلقة ذِكر لربهم – حاشاهم -، وإنما فيه أنهم عبَّروا عن فرحهم بثناء النبي صلى الله عليه وسلم بقفزة على رِجل واحدة، وهو فعل مباح في نفسه، وإنما الحكم عليه يكون تبعاً لسبب فرحهم، وحاشا أحداً من العقلاء أن يستدل به على رقص أثناء ذِكره لربه تعالى.
قال البيهقي – رحمه الله -:
وفى هذا - إن صح! - دلالة على جواز الحجَل، وهو أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز، والله أعلم.
" السنن الكبرى " للبيهقي (10/ 226).
¥