ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[20 - 02 - 10, 01:43 ص]ـ
وقد رواه الليث مرة أخرى فأبهم شيخه!! وقال: عن رجل عن ابن عمر قال: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ذلا يوم القيامة) أخرجه عبد الرزاق [رقم/19979]، ومن طريقه البيهقي في الشعب [8/رقم/5816 /طبعة الرشد]، من طريق معمر عن الليث به ....
قال البيهقي: هَذَا مَوْقُوفٌ وَمُنْقَطِعٌ.
قلت: إنما كان منقطعًا لعدم دَرك سماع هذا الرجل المبهم - وهو شيخ الليث - من ابن عمر!
وهذا الرجل: أراه (مهاجرًا الشامي) أبهمه الليث مرة، وسمَّاه مرة أخرى.
فإن قيل: هذه مخالفة لا قيمة لها!! والليث لم يكن في الحديث بالليث! بل كان ضعيفًا مختلطًا مضطرب الحديث!! ومتى قدَّمْنا روايته - وهو المجروح- على رواية عثمان بن أبي زرعة - وهو الثقة المأمون- فقد أخسرنا في الميزان!! وأخرَّنا مَنْ حقُّه التقديم!! وقدَّمنا من وجب له التأخير!! وهذا مسلك مهجور!! فأيش هذا؟!
قلنا: بل من مَشَى على تقديم رواية المقبول حديثه في الجملة، على المردود حديثه في الجملة دون تقييد! فلم يفقه تصرفات حُذَّاق نُقَّاد الصَّنْعة في هذا الفن!! ولم يخْبر دقيق مسالكهم في نقد الأخبار والأسانيد!!
بل وجدناهم ربما يُقدِّمون رواية الضعيف على الثقة إذا خالفه في متن حديث أو إسناد خبر!!
وما ذلك إلا لقرائن تظهر لهم، وتنقدح في صدرهم؛ مما تقضي ذلك دون أن تُوجِب أن يكون ذلك الضعيف- الذي قُدِّمَ قولُه- قد صار ثقة!! أو مقبولَ الرواية!! أو يكون ذلك الثقة - الذي رُدَّ قوله- قد نزل عن رتبته!! أو صار مردود الرواية!!
بل لا يزال الضعيف ضعيفًا وإن رجَّحْنا روايته على من فوقه، وكذا لا يزال الثقة ثقة وإنْ تركنا روايته التي غلط فيها!!
وشرح ذلك هنا ليس من شرطنا! وإن كان قد مضى لنا نَظْمُ بعض الأمثلة لِمَا سبق ذكره، مع تقرير هذا الأمر الدقيق: تجدها في تعليقنا على الحديث الماضي [برقم/ 4690].
والحاصل: أن الليث بن أبي سليم وإن كان ضعيف الحديث قولاً واحدًا عندنا!! إلا أن روايته الموقوفة هنا، مقدمة على رواية عثمان بن أبي زرعة - وهو الثقة الصدوق- المرفوعة!! وذلك لكون الحديث قد رُوي من وجْهٍ آخر عن ابن عمر به موقوفًا عليه قوله ... كما يأتي.
وكأنه لاشتهار وقْفِ الحديث على ابن عمر؛ جزم أبو حاتم بكونه هو الأصح من المرفوع!!
ولا يعترض على أبي حاتم في هذا الأمر إلا مَنْ جهل مقامه العالي في دقائق علل الأحاديث!! فينبغي التسليم له فيما يقول؛ اللهم إلا أن يأتي المعارض بقول إمام حاذق يُرْجِّح فيه الوجه المرفوع أو يصححه!! وأنَّى يكون هذا في عالم الإمكان؟!
تابع البقية ....
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[20 - 02 - 10, 01:49 ص]ـ
2 - والأمر الثاني: أن أبا عوانة الوضاح اليشكري: قد روى هذا الحديث عن سليمان بن أبي سليمان الشيباني عن رجل قال: (رأي ابن عمر على ابنه ثوبًا قبيحًا دونًا، فقال: لا تلبس هذا؛ فإن هذا ثوب شهرة) أخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول [رقم/ 67]، وفي إصلاح المال [رقم/ 404]، من طريق ابن المبارك أخبرنا أبو عوانة به ...
وهذا إسناده رجاله ثقات أئمة، سوى ذلك الرجل الذي لم يُسَم!! وربما كان مهاجرًا الشامي!! فإن ثبت هذا؛ تأيَّد وقْفُ الحديث بلا امتراء!! وقد مضى أن الليث بن أبي سليم قد رواه عن رجل عن ابن عمر به ....
فإن ثبت جزمًا أن ذلك الرجل مهاجر الشامي؛ فقد مضى ما يؤيده من كون الليث قد رواه مرة أخرى وسمَّى هذا المبهم بكونه (مهاجرًا!!) وإن يكن غيره من مشيخته؛ فقد أفادنا طريقًا آخر عن ابن عمر به موقوفًا!! وأيَّده طريق سليمان الشيباني الماضي، وإنْ كان سياق رواية سليمان أقل منه لفظًا، أشبه بالإشارة مع قصة في أوله!
فالحاصل: أن هذين الأمرين مع تصحيح أبي حاتم الرازي لوقْف الحديث؛ لا نرتاب بعد هذا في ضعف الوجه المرفوع هنا!! ونراه غلطًا من عثمان بن أبي زرعة أو مهاجر الشامي!! فلا مانع من أن يكون مهاجر قد اضطرب في وقفه ورفعه!! ورُوِيَ الوقْف من غير طريقه عن ابن عمر به ... فقدح ذلك في نفس أبي أبي حاتم أن يكون الموقوف أصح من المرفوع!! ولم يخالَف أبو حاتم في حُكْمه من قِبَل أمثاله من حُذَّاق النقاد من متقدمي أئمة هذا الفن ..
هذا ما عندي ... والله المستعان.
¥