تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ــ وقال ابن قتيبة: فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا وإن كان العجب من وضعه تحت السرير فإن القوم لم يكونوا ملوكاً فتكون لهم الخزائن والأقفال والصناديق، وكانوا إذا أرادوا إحراز شيء أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبي والبهيمة، وكيف يحرز من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة، إلا بما يمكنه ويبلغه وجده، ومع النبوة التقلل و البذاذة كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويصلح خفه، ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد

وإن كان العجب من الشاة فإن الشاة أفضل الأنعام، فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة، وهذا الفأر شر حشرات الأرض، يقرض المصاحف ويبول عليها، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم.

وكما يقال: لنفترض جدلاً أن القصة صحيحة، فهذا لا يضر إطلاقا، ولا دليل فيه على نقصان القرآن ومناقضته للحفظ من الضياع، لأن هناك دليل آخر يثبت أن ما في هذه الصحيفة ليس من العرضة الأخيرة بل وليس مما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الشيخ سعد الحميد وغيره:

وأما متن الحديث - لو صحَّ - فليس فيه مايشكل بحمد الله؛ لأنه دال على أن الشاة أكلت الصحيفة التي فيها آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، وكلاهما منسوخ تلاوته؛ فقد روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((كان فيما نزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلوماتٍ يحرمن))، وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال وهو جالس على منبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قد بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنزل عليه الكتاب؛ فكان مما أنزل عليه آية الرجم؛ قرأناها ووعيناها وعقلناها؛ فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ... ))، وهو ظاهر في حفظهم ووعيهم لها عن ظهر قلب، فما الذي يضر إن فقدت الصحيفة؟!! فالعبرة بالحفظ، والتواتر عليه؛ قال أبو محمد ابن حزم: ((فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها، كما قالت عائشة - رضي الله عنها - فأكلها الداجن، ولا حاجة إليها ... )) إلى أن قال: ((وبرهان هذا أنهم قد حفظوها، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم وبالله التوفيق)). وقال أبو محمد بن قتيبة: ((ونحن نقول: إن هذا الذي عجبوا منه كله ليس فيه عجب، ولا في شيء مما استفظعوا منه فظاعة، فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلى ما كتب فيه القرآن؛ لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا، وإن كان العجب من وضعه تحت السرير، فإن القوم لم يكونوا ملوكاً؛ فتكون لهم الخزائن والأقفال وصناديق الآبنوس والساج، بل كانوا إذا أرادوا حفظ شيء أو صونه؛ وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبية والبهيمة؛ وكيفيحفظ من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة إلا بما يمكنه ويبلغه وجده، ومع النبوة التقلل والبذاذة؟! وإن كان العجب من الشاة، فإن الشاة أفضل الأنعام؛ فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة، وهذا الفأر شر حشرات الأرض يقرض المصاحف ويبول عليها، وهذا العث يأكلها ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل)).

وتتميما للفائدة سنذكر نبذة مختصرة عن المنهج الرباني الفريد المحكم، الذي اتبعه الصحب الكرام في جمع القرآن، ومن تأمله عَلِم عِلْم اليقين أنه ليس جهداً بشرياً؛ وإنما هو توفيق الله ومدده للصحب الكرام؛ لأنه سبحانه تكفل بحفظه ولم يكله إلى أحد من خلقه قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير