المعرفة بنبوته و صدقه فهذه الأمور ينتفع بها فى دلائل النبوة كثيرا و لهذا يذكر مثل ذلك من كتب سيرته كما يذكرفيها نسبه و أقاربه و غير ذلك بما يعلم أحواله و هذا أيضا قد يدخل فى مسمى الحديث و الكتب التى فيها أخباره منها كتب التفسير و منها كتب السيرة و المغازي و منها كتب الحديث هي ما كان بعد النبوة أخص و إن كان فيها أمور جرت قبل النبوة فإن تلك لا تذكر لتؤخذ وتشرع فعله قبل النبوة بل قد أجمع المسلمون على أن الذي فرض على عباده الإيمان به و العمل هو ما جاء به بعد النبوة) انتهى كلام شيخ الإسلام.
قلت: بل إن الحافظ الإمام أبا عبد الله الحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى عقد بابا في كتابه النافع " معرفة علوم الحديث " (238) أطلق عليه: (ذكر النوع الثامن والأربعين من علوم الحديث هذا النوع من هذه العلوم: معرفة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم و سراياه و بعوثه وكتبه إلى ملوك المشركين وما يصح من ذلك وما يشذ وما أبلى كل واحد من الصحابة في تلك الحروب بين يديه ومن ثبت ومن هرب ومن جبن عن القتال ومن كر ومن تدين بنصرته صلى الله عليه وسلم ومن نافق وكيف قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم ومن زاد ومن نقص وكيف جعل سلب القتيل بين الإثنين والثلاثة وكيف أقام الحدود في الغلول وهذه أنواع من العلوم التي لا يستغنى عنها عالم).
2 - ألا يرى إخواني أن المحدثين، و الجهابذة منهم كالبخاري و مسلم، قد تعاملا مع مرويات السيرة في صحيحيهما، تعاملهم مع باقي المرويات؟ و لا أريد من هذا أن أجعل المقبول من مرويات السيرة ما جاء بالسند الصحيح فقط، كلا بل أريد التنبيه على أن مرويات السيرة من لب منهج المحدثين. و ليس بعيد عن إخواني أن صحيح الإمام البخاري رحمه الله يعرف أيضا بـ " الصحيح المسند المختصر
3 - التساهل في الإسناد الذي ذكره كثير من الإخوة في هذا المنتدى منسوبا إلى أئمة الحديث، يحتاج إلى شيء من التحقيق و التحرير، و قد كتبنا قريبا في هذا المنتدى، موضوعا عنوناه " مراد المتقدمين النقاد بالتساهل في الإسناد: دعوة لإثراء الموضوع " و لم نر تفاعلا كبيرا عدا ما كتبه أخونا الفاضل هيثم حمدان جزاه الله خيرا.
قلت: و هذا التساهل (بمفهومه الصحيح عند الأئمة النقاد) هو في حد ذاته معلما رئيسا من معالم منهج المحدثين في نقدهم لمرويات السيرة، فعدم تشددهم في رجال أسانيد هذه المرويات تشددهم في مرويات الحلال و الحرام، سمة من سمات هذا المنهج.
بل إن من سماته أيضا أنهم يرفعون من شأن بعض الرواة المتكلم فيهم إذا حدثوا في المغازي، و اعدتوا بروايتهم في الباب، و لا أقصد رواة كالواقدي و أمثاله ممن طرح النقاد حديثهم، و لست ممن يوافق بعض المعاصرين على الإعتداد بروايته و لو في الشواهد و الله تعالى أعلم.
4 - من معالم منهج المحدثين، هو سبر هذه المرويات و تتبع طرقها و النظر في ملابساتها، مع ملاحظة التساهل النسبي في الأسانيد، و كذا القرائن و الخلفيات، فالإعتار (بمفهوم المتقدمين له) مهم غاية في هذا المقام. فقد تكون مرويات ظاهر أسانيدها الصحة لكنها منكرة من حيث الإعتبار
(بالنظر إلى المتن، و تفرد بعض الرواة ---) إلى غير هذا، و لقد نشر في هذا المنتدى مثالا على ما نقوله و الله أعلم.
ومن الأمثلة على هذا: رد بعض الحفاظ كالذهبي و غيره لقصة النبي صلى الله عليه و سلم مع الراهب و سفره إلى الشام، مع أنهم ما طعنوا في الإسناد، بل لاحظوا نكارة المتن.
تنبيه: مناقشة روايات هذه القصة له مقام آخر، و قد أقحم نفسه بعض المعاصرين ممن لا يحسن هذه الصناعة فخلطوا خلطا عجبيا، وأفهامهم لكلام النقاد أكثر عجبا و الله المستعان، و لنا بحث في دراسة هذه الحادثة مع مناقشة الآراء وسمناه بـ " إتحاف الأنام بما جاء عن سفر النبي صلى الله عليه و سلم إلى الشام " و الله أعلى و أعلم.
¥