وقال ابن الصلاح في علوم الحديث ص 146: وروينا عن شعبة عن موسى السيلاني – وأثنى عليه خيراً – قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيرك؟ قال: بقى ناس من الأعراب وقد رأوه فأما من صحبه فلا. إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة. اهـ.
فالجواب عنه من وجوه:
1 - إسناد هذا الخبر ليس بالقوي تماماً وذلك أن موسى السيلاني – وقيل السنبلاني- ليس بالمشهور تماماً بل هو مقل وترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 8/ 169 ونقل عن يحيى بن معين أنه قال عنه: ثقة. وتقدم أن شعبة أثنى عليه، وفي تاريخ واسط ص 64 من طريق شعبة عن موسى السيلاني قال: دخلت على أنس بن مالك منزلة فرأيت في بيته مرافقاً صفواً. وفيه أيضاً عن شعبة: موسى السيلاني من أهل الفاروث. اهـ. وليس لموسى رواية عن أنس في الكتب الستة ولا في العشرة ولا في المختارة للضياء، وقد توسع في ذكر مرويات أنس ويظهر أنه ليس له خبر مسند عن أنس وإنما له ما تقدم، ويؤيد هذا أن صاحب تاريخ واسط قال في مقدمة ترجمة أنس عندما ترجم له في كتابه ص 58: الذي اتصل بنا ممن حدث عن أنس بن مالك من أهل واسط أُخرِّج لكل رجل حديثاً ليعرف موضعه وبالله التوفيق. اهـ.
ثم ذكر من روى عن أنس من أهل واسط وذكر لهم أحاديث – في الغالب – وعندما ذكر موسى لم يذكر له شيئاً مسنداً عن أنس وإنما ذكر له ما تقدم وهذا يدل والله أعلم على أنه لم يقف له على خبر مسند رواه عن أنس.
فمن كان بهذه الصفة ليس له رواية وإنما حكاية عن أنس ولعل شعبة تفرّد بالرواية عنه ولم يترجم له البخاري في تاريخه ولا ابن حبان في ثقاته ولا يكون مشهوراً خاصة أنه لم يذكر اسم أبيه واختلف في نسبه، وأما توثيق يحيى بن معين فلعله لثناء شعبة عليه وإلا فإنه ليس من المرويات ما بيّن حاله.
على أن الراوي عن شعبة وهو علي بن محمد أحسبه المدائني فإن ابن سعد مكثر عنه وهو مذكور بالرواية عن شعبة فهو وإن كان صدوقاً وعالماً بالأخبار وقال عنه ابن معين: ثقة ثقة ثقة، فقد ذكره ابن عدي في الكامل 5/ 1855 وقال: ليس بالقوي في الحديث وهو صاحب الأخبار.
2 - ويؤيد ما تقدم أنه جاء عن أنس بإسناد صحيح ما قد يخالف ما رواه موسى السيلاني، روى البخاري في صحيحه 4489 ثنا علي بن عبد الله ثنا معتمر عن أبيه عن أنس قال: لم يبق ممن صلى القبلتين غيري. اهـ.
قلت: هذا الخبر قد يخالف ما رواه السيلاني لأنه يفيد أن هناك من الصحابة كان موجوداً14) عندما ذكر أنس ذلك، فكلام أنس يفيد إثبات الصحبة لهم ولكن يبين أنه لم يبق أحد من الصحابة ممن صلى القبلتين سواه، فظاهر هذا يخالف ما رواه عنه موسى السيلاني والله أعلم. ولا شك أن سليمان التميمي وهو من الحفاظ المشاهير من أصحاب أنس مقدم على موسى السيلاني (15).
3 - يحمل كلام أنس هذا لو ثبت عنه على الصحبة الخاصة كما تقدم في قصة خالد بن الوليد مع عبد الرحمن بن عوف وقصة أبي بكر مع عمر.
4 - أنه قد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما قد يخالف هذا وأما ما جاء عن سعيد بن المسيب أنه قال: الصحابة لا تعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. رواه الخطيب في الكفاية ص 50 من طريق ابن سعد عن الواقدي أخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه عن سعيد به.
قلت: هذا لا يصح عن سعيد لا من جهة الإسناد ولا من جهة المتن.
أما الإسناد: ففيه محمد بن عمر الواقدي والكلام فيه معروف. وفيه أيضاً محمد بن سعيد بن المسيب وفيه جهالة ترجم له البخاري 1/ 92 وابن أبي حاتم 7/ 262 وسكتا عليه وذكره ابن حبان في التقات كعادته 7/ 421 وأما طلحة بن محمد بن سعيد فهو مجهول لا يعرف، قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل 4/ 476: لا أعرف طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب إلا أن يكون أخاً لعمران والذي عرفت عمران بن محمد بن سعيد روى عنه الأصمعي. اهـ. ولم يترجم له البخاري في تاريخه ولا ابن حبان في ثقاته.
¥