طريق آخر: قال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (803): ثنا العباس بن الوليد النرسي ثنا معتمر بن سليمان سمعت ليثاً يحدث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أتى عمرو بن العاص رجلان يختصمان في أمر عمار وسلبه فقال: خلياه واتركاه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم أولعت قريش بعمار، قاتل عمار وسالبه في النار".
وأخرجه الطبراني في الكبير من طريق ليث كما في مجمع الزوائد (9/ 297) فقد قال الهيثمي: وقد صرح ليث بالتحديث ورجاله رجال الصحيح. اهـ.
وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف وقد اختلط وضعفه أكثر أهل العلم ولكن يكتب حديثه.
أما من جهة المتن فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
وقد أخرج هذا الحديث الحاكم (3/ 387) في المستدرك عن محمد بن يعقوب الحافظ ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن مجاهد به.
قال الحاكم: تفرد به عبد الرحمن بن المبارك وهو ثقة مأمون عن معتمر عن أبيه، فإن كان محفوظاً فإنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وإنما رواه الناس عن معتمر عن ليث عن مجاهد. اهـ.
قلت: الصواب هو أنه من رواية ليث عن مجاهد، وأما رواية عبد الرحمن بن المبارك فهي خطأ من جهتين:
1 - أن الأكثر رووه عن معتمر عن ليث كما قال الحاكم (18).
2 - أن عبد الرحمن سلك الجادة في حديث معتمر فرواه عن أبيه لأن كثيراً ما يروي معتمر عن أبيه، ومن المعلوم عند الحفاظ أن من خالف الجادة يقدم على من سلكها لأن هذا يدل على حفظه.
وأما من حيث المتن فقد جاءت هذه القصة من طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو من روايته هو ومن رواية أبيه وليس فيها: قاتل عمار وسالبه في النار.
فقد أخرج أحمد (2/ 164، 206) ثنا يزيد أنا العوام ثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنبري (19) قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل منهما أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقتله الفئة الباغية .. " وأخرجه ابن سعد (3/ 253) والبخاري في التاريخ (3/ 39) والنسائي في الخصائص (164) كلهم من طريق يزيد به، وقال الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين من شيوخه بعد أن رواه ص 96: إسناده جيد فإن الأسود هذا وثقه ابن معين. اهـ.
رواه البخاري في التاريخ (3/ 39) والنسائي في الخصائص (165) وأبو نعيم في الحلية (7/ 198) كلهم من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن العوام عن رجل من بني شيبان عن حنظلة بن سويد به.
قلت: الإسناد الأول أقرب لأمرين:
1 - شعبة قد يخطئ في الأسماء كما هو معروف.
2 - أن يزيد بن هارون معه في هذا الخبر زيادة علم لأنه سمّى شيخ العوام بخلاف شعبة مع أن هذا الاختلاف ليس بالكبير، والرجل الذي من شيبان هو العنزي السابق، وشيبان وعنزة يلتقيان في أسد بن ربيعة بن نزار، شيبان داخله في عنزة الآن – فيما أعلم – لأن أكثر ربيعة داخله الآن تحت عنزة ولعل هذا من قديم جداً كما قد يدل عليه قول شعبة: رجل من بني شيبان (20) وجاء منسوباً إلى عنزة في رواية يزيد بن هارون مع أن هذا المكان ليس موضع الكلام على هذا الإسناد وتحقيقه وإنما المقصود بيان مخالفة الروايات لرواية ليث بن أبي سليم.
وأخرج ابن سعد 3/ 253 في الطبقات أنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن الحارث قال: إنني لأسير مع معاوية في منصرفه عن صفين بينه وبين عمرو بن العاص فقال عبد الله بن عمرو: يا أبت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: "ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية " فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟.
وأخرجه أحمد 2/ 206 من طريق الأعمش به، والنسائي في الخصائص 166 - 168 وذكر الاختلاف في هذا الحديث وجاء نحو هذه القصة من طرق أخرى. ينظر الطبقات 3/ 253 والحاكم 3/ 386،387 ومجمع الزوائد 9/ 297 وغيرها.
والشاهد مما تقدم أن هذه الطرق ليس فيها ما جاء في رواية ليث إلا ما جاء في رواية أخرجها الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو وفيها مسلم الملائي وهو ضعيف قاله الهيثمي في المجمع 9/ 297.
¥