ومما يوضح ما تقدم أيضاً ما رواه البخاري (2704) من حديث الحسن البصري قال: لقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي إلى جنبه ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" وأخرجه أيضاً (3629) و (3746) و (7109) وهذا الحديث فيه منقبة كبيرة للحسن وأنه سيد ومن سيادته تنازله عن الخلافة، وفيه أيضاً وصف للطائفة الذين مع الحسن ومع معاوية بالإسلام، وهذا الحديث يتضمن منقبة وثناء على معاوية وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح فعل الحسن وتنازله عن الملك لمعاوية ولو كان معاوية ليس أهلاً للملك لما مدح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الصلح الذي فيه تنازل الحسن عن الملك.
قال أبو الفضل بن حجر في الفتح (6613) تعليقاً على هذا الحديث: وفي هذه القصة من الفوائد: علم من أعلام النبوة ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة، وفيها رد على الخوارج الذي يكفرون علياً ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين، ودلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب. ا هـ.
وقول ابن حجر: ودلالة على رأفة معاوية … إلى آخر هذا، أخذه من ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على الحسن عندما تنازل عن الملك لمعاوية كما تقدم.
وسيرة معاوية رضي الله عنه عندما تولى الملك تشهد بقوة نظره في تدبير الملك وحسن سياسته.
ومما يؤيد هذا ما رواه البخاري (7222 و7223) ومسلم (1821) من حديث عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً" ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: "كلهم من قريش" وهذا لفظ مسلم.
وأخرجه أيضاً (1821) من طريق حصين عن جابر ولفظه " إن هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " وفي لفظ عنده من طريق سماك عن جابر: " لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة" ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: "كلهم من قريش" وفي لفظ عنده من طريق الشعبي عن جابر: "لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة".
وأخرج أيضاً (1822) من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
فظاهر هذا الحديث يدخل فيه معاوية رضي الله عنه وذلك أنه قرشي وتولى الملك وكان الدين في زمنه عزيزاً منيعاً، فهذا الحديث ينطبق عليه خاصة في رواية الشعبي وسماك عن جابر "لا يزال هذا الأمر – وفي رواية الإسلام – عزيزاً إلى اثني عشر خليفة" فظاهر هذه الرواية أن هذه العزة والمنعة من أول خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلموهو أبو بكر رضي الله عنه إلى اثني عشر خليفة فيكون معاوية داخلاً فيهم وخاصة أن معاوية بويع من جميع المسلمين وسمي هذا العام بعام الجماعة كما هو معلوم.
فعلى هذا الحديث أن معاوية خليفة شرعي وأن الدين كان في زمنه عزيزاً منيعاً وهذا لحكمه بالشرع وتطبيقه للسنة وإلا لما كان الدين عزيزاً منيعاً والله تعالى أعلم.
وأقول أيضاً:
إن معاوية هو أكبر طائفته ومعه عمرو بن العاص ومع ذلك فقد أثنى عليهما الرسول صلى الله عليه وسلم ثناء خاصاً فقال عن معاوية: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به" والأصل في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مستجاب، وأخرج البخاري (2924) من طريق عمير بن الأسود العنسي عن أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا" وأول جيش غزا البحر من المسلمين كان بقيادة معاوية، وهذا منقبة عظيمة له، ومعنى "أوجبوا" أي وجبت لهم الجنة.
ومن مناقبه اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم له كاتباً.
¥