(14) وممن ضعفه من المحدثين النقاد كثر, كالدار قطني في سننه (1/ 323) ومالك بن أنس وذكر أبا حنيفة فقال: كاد الدين. وعنه: الداء العضال الهلاك في الدين وابو حنيفة من الداء العضال. (الكامل لابن عدي) (7/ 6). والبخاري في التاريخ (8/ 81) إذ قال/ سكتوا عنه/ وقصده: تركوا حديثه كما بيّنه السيوطي. وابن سعد في الطبقات (7/ 322) ومسلم بن الحجاج في كتابه «الكنى والأسماء» (ص107) إذ قال: صاحب الرأي مضطرب الحديث ليس له كبير حديث صحيح .. وأبو نعيم الأصبهاني إذ قال: كثير الخطأِ والأوهامِ. وذكر ابن عدي والقطان أنّه ليسَ من أهلِِ الحديث.
قال الشيخ المحدث عبد الله السعد: القول الراجح أنه لا يحتج بـ (أبي حنيفة) في الحديث لأنه ليس بضابط وليس بالمتقن, وحديثه ليس بالكثير, وما جمع في مسانيده بعضه كذب وبعضه لم يصح لأبي حنيفة, وإنما غلب عليه الاهتمام بالفقهيات, والحديث يحتاج إلى مذاكرة, وجمهور الحفاظ لا يحتجون به كأحمد والبخاري ومسلم بن الحجاج والعقيلي وابن عدي والدراقطني وابن حبان في المجروحين, وألفت رسائل في بحث حال أبي حنيفة , في رسالة في جامعة الإمام (فجمع (150 حديثاًوذهب أنه ثقة, وهو ليس بصحيح فلم يجمعها كلها , ولأبي حنيفة أخطاء وأوهام على قلة روايته. (ذكره في فتاويه).
قلتُ: كما قد ألّف الشيخ "مقبل بن هادي الوادعي" كتاباً سماه "نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة " وقد اطلعتُ عليه كاملاً سريعاً –وقد استفدت منه- وذكر أنّ من المشايخ المعاصرين من يشنّعوا على من يضعّف روايته, وكأنه لم يسبقهم بذاك أحد! , ووجدتُ من ينافح ويدافع عنه وأنه من المحدثين –كما في بعضِ تحقيقات الكتب الأمهات- انتصاراً له. والله المستعان.
وقد –استفدت من باب الأمانة- من الشيخ محمد أمين في مقاله " أبو حنيفة بين الجرح والتعديل " ووضعتُ أبرزَ ما يقال وقيل في هذا الإمام.
الحاصلُ: أنّه تبيّن لك من خلال هذا أقوال أصحاب العمد في النقد –إجماعاً- على تجريحِ أبي حنيفة –رحمه الله-.
(دَرَجَةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدِ أَهْلِ الحَدِيثِ تَعْدِيلاً)
توثيق ابن معين له:
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً، لاَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه، وَلاَ يُحَدِّثُ بِمَا لاَ يَحْفَظُ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بن مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ، وَلَقَدْ ضَرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاءِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ قَاضِياً. (كله من "سير أعلام النبلاء" بلفظه).
تجريح ابن معين له:
قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه. وقال ذات مرة: هو أنبل من أن يكذب.
(الكامل في ضعفاء الرجال) (7/ 6).
فوضحَ لكَ أيها القارئ الكريم أنّ ابن معينَ قد اضطرب في الحكم عليه, فتارة يوثقه وتارة يضعفه.
قال الشيخ المحدث الألباني –رحمه الله-: (فهو تارة يوثقه، وتارة يضعفه كما في هذا النقل، وتارة يقول فيما يرويه ابن محرز عنه في "معرفة الرجال": كان أبو حنيفة لا بأس به، وكان لا يكذب، وقال مرة أخرى: أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب.
ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم، ولا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، خلافا لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم، وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعنا في دينهم وعدالتهم، كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة. انتهى كلامه –رحمه الله-.
¥