تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنا نفهم المراد من إطلاق عبارات بعض الأصوليين حين يقولون: خبر الواحد لا يفيد العلم".

وقول بعضهم: "لا تثبت به العقيدة" فإن مرادهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم اليقيني القطعي الذي يفيده نص القرآن والخبر المتواتر القطعي، إنما يفيد مع القرائن العلم النظري، وإنه بالتالي لا تثبت به العقيدة أي التي هي فرض مثل أركان الإيمان في أنه يكفر جاحدها، لكن يجب الاعتقاد به قولاً واحداً كما ذكرنا من قبل، ويضلل منكره.

أنواع من الحديث تفيد العلم النظري:

وفي الختام نذكر للقارئ أنواعاً من حديث الآحاد الذي يفيد العلم النظري لاحتفافه بالقرائن:

1 - الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول، كما مر في أكثر من موضع. وألحق به الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي الخبر المشهور كما ذكرنا، وذلك بمعنى الشهرة عند الحنفية. واستدل لرأيه باستحالة أن تتفق عليه الأمة ويكون خطأ لأنه يصير مجمعاً عليه (40)، وغيره من الحنفية يقولون إنه يفيد علم الطمأنينة بسبب هذا التواتر والتلقي، وهذا قريب جداً من القول بأنه يفيد العلم النظري، لأنهم قالوا إنه قد يعرض فيه الشك كما سبق.

ومن هنا نجد للحنفية مستمسكاً بجعل المشهور قسماً منفرداً، لأنه استقل بهذه المزية في قوة الاحتجاج.

2 - المشهور عند علماء الحديث، وقد سبق تعريفه، وذلك إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل.

3 - المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريباً، مثل حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، وهي سلسلة الذهب. فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته، بما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم.

فإذا انضاف إليه من هو في تلك الدرجة ازداد قوة وبعد عما يخشى عليه، وصار مفيداً للعلم عند العالم المتبحر كما ذكرنا من قبل (41).

وبهذا نكون قد وفينا مسألة أثر الحديث الصحيح في العمل والعقيدة حقها من البيان في حدود ما يسمح به المجال ههنا، وظهرت بذلك منهجية أئمة العلم في إعطاء كل نوع من الحديث ما يطابق وضع رتبته تماماً، من غير تشدد ولا غلو، خلافاً لما يذهب إليه المتهوكون من الحكم على الناس بالكفر لأي مخالفة تبدر من الإنسان، ومن غير إجحاف بحق الدليل الشرعي وما يجب على المسلم نحوه.

الدكتور نور الدين عتر

الدكتور نور الدين عتر. رئيس قسم علوم القرآن والسنة- كلية الشريعة- جامعة دمشق.

من مؤلفاته: 1 - الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين. 2 - علوم الحديث، للإمام ابن الصلاح. 3 - الحج والعمرة في الفقه الإسلامي. 4 - هدي النبي (في الصلوات الخاصة. 5 - المغني في الضعفاء، للإمام الذهبي. 6 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر. 7 - دراسات تطبيقية في الحديث النبوي. 7 - شرح علل الترمذي، للحافظ ابن رجب.

الحواشي:

(1) وقد كان هناك من يظن هذه القواعد متفرقة لا ترتبط مع بعضها برباط التكامل، حتى تكلم بعض أهل الفرق المبتدعة طعناً على أهل الحديث، ثم جاء المستشرقون يدندنون حول هذا المنحى في العصور المتأخرة. وقد قمنا بدراسة هذا العلم دراسة مبتكرة على أسلوب منهجي جديد، أثبتنا فيه تكامل هذه القواعد وأنها تشكل نظرية نقدية متكاملة، تحيط بجميع ما يحتاج إليه البحث النقدي للروايات وتأخذ بزمام الحيطة والحذر. وذلك في كتابنا "منهج النقد في علوم الحديث"، وتوصلنا بذلك إلى بيان بطلان ما أورده الناقدون على منهج المحدثين، بإقامة الحجج والبراهين الدامغة على تلك الانتقادات.

(2) تدريب الراوي شرح تقريب النواوي للسيوطي ج1 ص 41.

(3) انظر التعريف في مطلع كتاب علوم الحديث للإمام أبي عمرو ابن الصلاح.

(4) منذ عصر الأولى كما نجده عند الشافعي في الرسالة ص 370.

(5) انظر على سبيل المثال علوم الحديث لابن الصلاح ص 94 وشرح الألفية في علم الحديث للحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي ج2 ص 2 - 8 وكتابنا منهج النقد في علوم الحديث ص 79 وما بعد.

(6) في كتاب علوم الحديث ص 95 - 96.

(7) شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني ص 18 - 37 نسخة شرحه للقاري.

(8) ج 2 ص111.

(9) أصول الفقه للسرخسي ج1 ص 321.

(10) صرح بهم العلامة الأصولي المحقق محب الله بن عبد الشكور في شرح مسلَّم الثبوت ج2 ص 131.

(11) ج 1 ص 154 - 155.

(12) ج 1 ص 692 بهامش شرحه كشف الأسرار.

(13) ج 2 ص 134.

(14) كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري ج 1 ص 692.

(15) نفس المكان.

(16) البزدوي في كتابه أصول الفقه، وكذا غيره، وانظر مزيداً من سرد الأحاديث في شرح البخاري عليه ج1 ص 693 - 694.

(17) ج 2 ص179، وانظر "كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" للعجلوني ج2 ص 441.

(18) أصول السرخسي ج1 ص 325.

(19) انظر توضيح الأفكار ج 2 ص 467.

(20) ج 1 ص 148.

(21) ج 2 ص 132 من نسخة شرحه مع المستصفى.

(22) نصب الراية ج 3 ص 448.

(23) نصب الراية ج 4 ص384.

(24) فواتح الرحموت ج 2 ص133.

(25) انظر كتابنا منهج النقد في علوم الحديث ص 53 - 54. وتنبه إلى أن لفظة "أصدقت أم كذبت" لا أصل لها في رواية الحديث.

(26) انظر دراسة الحديث من كتابنا دراسات تطبيقية في الحديث النبوي المعاملات ص 137 - 141.

(27) انظر التفصيل في كتابنا دراسات تطبيقية، وقد وضحنا هناك ميلنا مع الجمهور، ونبين هنا دفع الطعن عن الحنفية ومن وافقهم في أصل الفكرة مثل الزيدية وغيرهم.

(28) انظر تخريج الحديث ودراسته في كتابنا دراسات تطبيقية ص 157 - 160.

(29) تدريب الراوي ج 1 ص 75.

(30) المستصفى ج1 ص 145. وانظر شرح مسلم الثبوت ج 2 ص 121.

(31) ج 1 ص329 - 330.

(32) ج 1 ص696.

(33) ص460 و 461.

(34) المستصفى ج1 ص 135.

(35) ص136، لكن الغزالي يتوقف عن إفادة الخبر الآحادي الفرد للعلم، كما هو صريح كلامه بعد هذا.

(36) ج 2 ص 121.

(37) المستصفى ج 1 ص 132 - 133.

(38) نسخة شرح الشرح للقاري ص 46.

(39) في مسلم الثبوت ج 2 ص 111 - 112.

(40) فواتح الرحموت ج 2 ص 111 وهذا المستند تبناه بعد ذلك ابن القيم في الاستدلال على إفادة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول للعلم النظري.

(41) نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ص 45 - 46.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير