* تعطي طالب العلم ملكة التفكير والاستنباط فتصبح عنده قدرة وملكة في معرفة فقه الأحاديث، ومنه نعلم أنَّ مناهج العلوم الشرعية ربّت في طلابها منذ القدم مهارة التفكير والإبداع والاستنباط ومهارة الحوار واحترام الرأي الآخر المبني على أسس سليمة. وذلك كالإمام البخاري –رحمه الله-.
مثال ذلك: كل من اختلف من الأقدمين في مسألة أكل لحم الجزور ونقضه الوضوء, فكلهم متفقون على صحة صلاة بعضهم خلف بعض، فلا يشتمون بعضهم بعضا ولا يُبدّعون, وقس على هذا المسائلَ كلّها.
* تًوقف الباحث على حديثه وأحاديث أخرى في نفس الموضوع، مما يساعد في تحقيق المسائل ومزيد الفوائد.
* معرفة مناهج المصنفين في كتبهم بدقة، فأنت تبحث في الكتاب ترى الكتاب وترى الباب وترى الأسانيد، فربما خرّج الأئمة الحديث في غير مظنّته، فتستفيد فوائد أخرى كما يفعل ذلك الإمام البخاري - رحمه الله-
[مثال يوضّح هذه الطريقة المفيدة من الكتب الستة]
البخاري: 1449 - حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا سيار أبو الحكم قال: سمعت أبا حازم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) [1723، 1724].
1723 - حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)
1724 - حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه).
فنلاحظ كيف أن الإمام البخاري فرّق هذا الحديث في ثلاثة مواضع في الحج متفرقات.
مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وزهير بن حرب قال يحيى أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)
وحدثناه سعيد بن منصور عن أبي عوانة وأبي الأحوص ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان ح وحدثنا بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة كل هؤلاء عن منصور بهذا الإسناد وفي حديثهم جميعا من حج فلم يرفث ولم يفسق.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم عن سيار عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
فنلاحظ كيف أن الإمام مسلم –رحمه الله- جمع هذا الأحاديث في موضع واحد.
الترمذي: حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه) قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وأبو حازم كوفي وهو الأشجعي واسمه سلمان مولى عزة الأشجعية.
فنلاحظ كيف أن الناقل وضع حكم الترمذي –رحمه الله- على الحديث, وهذه المنهجيّة العلميّة الصحيحية.
النسائي: أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال حدثنا الفضيل وهو بن عياض عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه).
أبو دواد: الحديث لم يذكره أبو داود البتة.
ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن مسعر وسفيان عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه).
الخلاصة / هذا الحديث تفرد عبد الرحمن بن صخر السدوسي عن النبي عليه السلام ثم تفرد عنه سلمان (الإمام أبو حازم الأشجعي) ثم رواه عن سلمان اثنان من الرواة سيار أبو الحكم وأيضا منصور بن المعتمر وكلاهما من الجبال الثقات، نلاحظ .. ثم انتشر ... رواه عن سيار شعبة بن الحجاج وهشيم بن بشير، رواية شعبة عند البخاري ورواية هشيم عند الإمام مسلم، كما نلاحظ أن منصور بن المعتمر رواه عنه كثيرون، سفيان بن سعيد الثوري، مسعر بن كدام، وهو من أحفظ الأمة، شعبة بن الحجاج وجرير وهناك أيضا بقية، سفيان بن عيينة، وكذلك سلاّم بن سليم ووضاح والفضيل بن عياض ...
¥