قال تلميذه تاج الدين السُكّي في طبقات الشافعية بما معناه: كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه، يُقرأ عليه النهار كله في الأسانيد والطرق والاختلافات وكان يَنْعُس فكان إذا نعُس وأخطأ القارئ؛ أفاق فجأة وكأن شخصا يقول له: يا أيها الشيخ القارئ قال كيت وكيت هل هذا صحيح؟ يقول: فيقوم فجأة يقول: لا .. الإسناد كذا والإسناد كذا، يقول: هذا كنا نشاهده.
* كان قليل الكلام حسن الصمت كثير الاحتمال, قالابن كثير في البداية والنهاية -وهو زوج بنت المزي- فهو يعرفه معرفة جيدة، لمّا جاء إلى سنة 742 ماذا قال فيها؟:
قال: في هذه السنة في حوالي سنة 742 وفيها وفاة شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي، يقول: فلما كان وقت الظهر لم أكن موجودا فأخبرتني زوجتي بنته زينب تقول: لمّا أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت: يا أبي أذن الظهر! فذكر الله [وهو يحتضر] قال: أريد أن أصلي؛ ثم تيمم فصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي يقول: أخذ يقرأ آية الكرسي حتى فاضت نفسه وهو يقرؤها!
* كذلك ما حصل مع الإمام أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي الإمام الحافظ الكبير المتوفي سنة 264 له الذي يحفظ مئات الألوف حتى قيل: حديث لا يحفظه أبو زرعة فليس حديثا.
* لما حضرته الوفاة كان عنده كبار الحفاظ؛ يعني أبو حاتم الرازي ومحمد بن مسلم بن واره، فكانوا عنده جالسين،
قالوا: نريد أن نلقّنه ["لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"]، هم استحوا! قالوا: نحن نلقّن أبا زرعة الإمام الكبير! كان يذبّ عن سنة المصطفى منذ أن يذكر الحديث يقول هذا حديث باطل، فاستحوا .. فماذا فعلوا؟
قالوا: نعمل طريقة نحاول أن نذكره بأسلوب؛ فقالوا: نذكر أحاديث التلقين ونُظهِر أننا لم نعرف الحديث، ...
فقال محمد بن مسلم بن واره: حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح .. [ثم سكت .. يُظهر أنه ما عرف الإسناد] هنا جاء الحافظ الكبير أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس المتوفي سنة 277 فقال: حدثنا بُندار قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح، وسكتوا ... هنا هذا الرجل وهو في السوْق في الموت! ..
فقال أبو زرعة وهو يحتضر: حدثنا بُنْدار قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" وتوفي رحمه الله ... يقول أبو حاتم: فصار البيت ضجة من بكاء أهله عليه.
وعرَّف العلماءُ حسن الخاتمة: أن يُوفق العبد قبل موته فيعمل عملا صالحا ثم يموت بعده.
ودائما السلف كانوا يسألون الله حسن الخاتمة وهم بذلك يستشعرون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من الجنة ويعمل عمل أهل الجنة .... وإنما الأعمال بالخواتيم".
* و ابن القيم له كلام عظيم يقول: إذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يُحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على الأعمال السيئة فيما سبق.
* قال الشيخ –حفظه الله-: ومما أبشر به الأخوة أنه ما سُمِع ولا عُلِم أن صاحب السريرة الصالحة والقلب السليم قد خُتم له بسوء، إنما يكون ذلك خاتمة سوء لمن فسدت سريرته وباغته الموت قبل الإصلاح.
وأذكِّر أنه من سنن المحدثين المتقدمين أئمة الحديث كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين كانوا يستعذبون الحديث عن الصالحين وسيرهم، مرة الإمام أحمد كان متكئا -به وجع- فذُكر عنده إبراهيم بن طهمان؛ هذا من الأجلة الثقات العباد الزهاد، فلما ذُكر قام وجلس، قال: ما ينبغي أن يُذكر الصالحون ونحن متكئون!!
الفائدة الحادية عشرة: (نبذة عن زوجة الإمام المزي) ترجم لها أصحاب التواريخ, وترجم لها الحافظ ابن كثير, فما خلّفت لنا لكي تُذكر في كتب التواريخ؟!
قال ابن كثير الدمشقي –رحمه الله-: في حوالي سنة 741 قال: في أول شهر جمادى الأولى توفيت الشيخة العالمة العابدة الزاهدة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي؛-خالة ابن كثير- عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصُلِّي عليها بالجامع صبيحة يوم الأربعاء ودُفنت بغربي قبر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
*كانت عديمة النظر في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها للقرآن، وإقرائها القرآن بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز عنه كثير من الرجال، وختّمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلقٌ وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها وتقللها من الدنيا، يقول: بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله عز وجل صلاة وتلاوة، وكان الشيخ يُحسن إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا رحمها الله وقدس روحها ونور مضجعها بالرحمة .. آمين .. انتهي كلام ابن كثير.
* هذه الشيخة أم زوجة ابن كثير قدوة لنسائنا، وممكن أن أسأل أين نساء المسلمين؟ أين فتيات المسلمين؟ اللواتي شُغلن .. كثير منهن في هذه الأيام بالموضة والمجلات والأفلام عن هذه القدوة العظيمة ومثيلاته؟
ليست زوجة المزي فقط بل هناك نساء كثيرات .. أين هن عن هذه القدوات؟! الآن تسأل بعضهن .. تخبرك بالممثلات وفلانة وكذا .. ولكن أين عن هذه الشيخة العابدة التقية؟!
هذه القدوة التي نربي فتياتنا وبناتنا عليها؟! هذه المرأة زوجة المزي مضت مئات السنين لكن بقيت سيرتها عطرة مشرقة كأنني بهذه الشيخة تقول: يا معشر النساء كل شيء سيذهب .. الجمال .. المال .. الموضة .. كلها ستنقطع .. ويبقى العمل الصالح! .. هذه الباقيات الصالحات .. !
أخيراً: يا معاشر النساء ماذا قدمتن لدين الله؟ ماذا قدمتي لدين الله إذا وضعتي في القبر؟ ومن فضل الله عز وجل نسمع أن هناك من الأخوات الداعيات من جاءت إلى مراكز علمية أو مراكز مجمعات نسائية فنفع الله بها، سمعنا أن واحدة جاءت إلى مدرسة وكانت هذه المدرسة فيها توسع، فقامت وحدها ما انتظرت أحد يساعدها، فقامتن بعمل محاضرات وكلمات واجتهدت، فإذا خلال فترة وجيزة انقلبت المدرسة مرة واحدة إلى محافظة والتزام بشرع الله عزوجل.
¥