وقال في «التقريب»: «لم أر لابن حزم فى تضعيفه سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط».
وقال في «شرح كتاب الرقاق» من «فتح الباري» [13/ 357]، يرد على ابن حزم:
«وسعيد متفق على الاحتجاج به، فلا يلتفت إليه في تضعيفه».
إذا عرفت هذا: فالقول بكون الوجهين محفوظين معًا هو الأولى مِنْ جْعله من تخليط سعيد!!
وما يمنع أن يكون سعيد قد سمعه من خزيمة ذلك المجهول المغمور -عن عائشة بنت سعد عن سعد به ... ثم قابل عائشة نفسها فحدثته بالحديث؟!
فإن قيل: يعكر على هذا أن أحدًا لم يذكر أن سعيدًا يروي عن عائشة بنت سعد، فلم يذكرها المزي في شيوخ سعيد من «التهذيب»، ولا ذكرها أحد ممن ترجم له أصلاً، بل جزم حسين الأسد في تعليقه على «مسند المؤلف» بكونه لم يدركها رأسًا!!
فقال: «سعيد بن أبي هلال لم يدرك عائشة بنت سعد!! وإنما روى عنها بواسطة خزيمة».
والجواب عن هذا أن نقول: قد جزم غير واحد أن عائشة بنت سعد قد ماتت سنة سبع عشرة ومائة/ 117هـ. وسعيد بن أبي هلال ولد سنة سبعين للهجرة. وقد اختلف في سنة وفاته، فأكثر ما قيل فيه أنه توفي سنة 149هـ، وأقل ما قيل في وفاته أنه توفي سنة 133هـ فيكون عمره يوم وفاة عائشة سبعة وثلاثين عامًا.
ثم إنه مدني مشهور. ولد بمصر ثم سافر به أبوه إلى المدينة فنشأ بها، ومكث دهرًا ثم عاد إلى مصر في خلافة هشام بن عبد الملك. وهشام قد بويع له بالخلافة سنة خمس ومائة للهجرة.
وعائشة بنت سعد: مدنية مشهورة وحدَّث عنها المدنيون أمثال: مالك ويوسف الماجشون ومهاجر بن مسمار وجماعة كثيرة من أهل المدينة. وبعضهم -مثل مالك- قد تأخر ميلاده عن ميلاد سعيد بن أبي هلال بدهر!!
وكل هذا: ظاهر جدًا في احتمال سماعه منها، والمزي وإن حاول استيعاب شيوخ الرجل وتلاميذه في ترجمته!! إلا أنه ما وفَّى ولا كاد! كما يعرفه كل مشتغل بهذا الفن اللطيف.
فلا ينتهض إعلال الحديث بكون المزي لم يذكر عائشة في شيوخ سعيد من كتابه «التهذيب»!! وكم ترك المزي من شيوخ وتلاميذ مشاهير أهل العلم في كتابه!! فكيف بمن دونهم؟!
ثم وقفتُ على «علل أبي بكر الأثرم» [ص/45/طبعة دار البشائر]، فوجدته قال فيه: «سمعت أبا عبد الله- يعني الإمام أحمد- يقول سعيد بن أبي هلال ما أدري أي شيء حديثه؟ يخلط في الأحاديث؟ ثم قال: هو أيضا يروي عن أبي الدرداء في السجود. قلت: حديث النجم؟ فقال: نعم».
قلتُ: فكأن الإمام أحمد ينكر عليه حديث أبي الدرداء في السجود في سورة النجم أيضًا! ولا ينافي هذا ثناء الإمام أحمد عليه في مكان آخر.
ووجدتُ الحافظ أبا عثمان البرذعي قد قال في «سؤالاته لأبي زرعة الرازي» [2/ 361 - 362]: «قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما؟».
ثم قال البرذعي عقب هذا: «قال أبو حاتم- يعني الرازي-: أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان!».
قال ابن رجب في «شرح العلل» [2/ 312]: «ومعنى ذلك: أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان فوجده يشبهه، ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم، فخاف أن يكون أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما!».
قلت: وبهذه النقول النادرة يثبت قول الإمام أحمد بشأن اختلاط سعيد في بعض الأحاديث! وليس هو اختلاطًا بالمعنى المشهور كما ظنه جماعة من المتأخرين! بل المراد منه الاضطراب ونحوه.
وكلام أبي حاتم الرازي: ظاهر أيضًا في احتمال أن يكون سعيد ربما سمع الحديث من بعض الضعفاء والهلكى، ثم يدلسهم ويُسوِّي الإسناد!
ولا ينافي كل هذا: أن يكون سعيد لا يزال ثقة صدوقًا صاحب حديث.
إذا عرفت هذا: علمتَ أنه لا يبعد أن يكون سعيد قد اضطرب في سند الحديث هنا!
والظاهر عندي: أنه سمعه من ذلك الشيخ المجهول: «خزيمة» عن عائشة بنت سعد، ثم صار يدلسه ويرويه عن عائشة بلا واسطة!
فعلة الحديث على التحقيق: هي جهالة خزيمة شيخ سعيد فيه.
وللحديث: شواهد دون هذا التمام هنا. وسيأتي منها حديث صفية [برقم/7118].
وقد استوفينا تخريج أحاديث الباب: في كتابنا: «غرس الأشجار بتخريج منتقى الأخبار».والله المستعان لا رب سواه.
انتهى بحروفه من كتابنا: (رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى) [رقم/710].
ـ[أبوصهيب المغربي]ــــــــ[26 - 05 - 10, 02:28 م]ـ
شكر الله لك أخي الفاضل .. ،
فالكل يعرف مجازفات أبي محمد الفارسي؟ كما شرحنا ذلك شرحًا وافيا في كتابنا «أنهار الدم».
هذا يستدعي كلاما تطول ذيوله، و تأبى الجفوف سيوله، و ننتظر إن شاء الله شرحك الوافي في " أنهار الدم".
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[23 - 08 - 10, 03:00 م]ـ
شكر الله لك أخي الفاضل .. ،
هذا يستدعي كلاما تطول ذيوله، و تأبى الجفوف سيوله، و ننتظر إن شاء الله شرحك الوافي في " أنهار الدم".
نسأل الله التوفيق لإتمامه. وجزاك الله خيرا يا أبا صهيب.