الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. و قال: " لا نعلمه رواه بهذا الإسناد إلا
قتادة - صحيح ". و قوله: " صحيح " إنما هو من صاحب " الزوائد " و هو الحافظ
الهيثمي و صرح بذلك السيوطي في " اللآلئ المصنوعة " و أقره و رجال إسناده ثقات
كلهم من رجال الشيخين. ثم أخرج له البزار شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به
من طريق عمرو بن أبي خثعم حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
و هذا إسناد ضعيف من أجل عمر هذا و هو ابن عبد الله ابن أبي خثعم قال في
" التقريب ": " ضعيف ". و قال في " مجمع الزوائد " (8/ 47): " رواه
البزار و الطبراني في " الأوسط "، و في إسناد الطبراني عمر بن راشد، وثقه
العجلي و ضعفه جمهور الأئمة و بقية رجاله ثقات، و طرق البزار ضعيفة ".
قلت: لم يذكر الهيثمي في " زوائد مسند البزار " للحديث طريق أخرى عن أبي هريرة
غير هذه، فلعل قوله: " طرق " محرفة عن " طريق " لكن المناوي نقله عن الهيثمي
كما نقلته عنه " طرق "، ثم وهم وهما فاحشا حيث ذكر قول الهيثمي هذا عقب حديث
بريدة المذكور أعلاه، فأوهم شيئين اثنين لا حقيقة لهما:
الأول: أن لحديث بريدة أكثر من حديث واحد. و ليس كذلك.
الآخر: أنه ضعيف و ليس كذلك أيضا بل إسناده صحيح كما أفاده الهيثمي نفسه فيما
تقدم و من العجيب أن الهيثمي لم يورده مع حديث أبي هريرة في المكان المشار إليه
و من البعيد أن يكون أورده في مكان آخر من " المجمع ". و قد أخرجه أبو الشيخ
في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 274) و العقيلي في " الضعفاء " (ص
278) و أبو القاسم بن أبي قعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (8/ 1)
و البغوي في " شرح السنة " (4/ 71 / 2) من طريق عمرو بن راشد عن يحيى ابن
أبي كثير به. و قال البغوي: " عمرو بن راشد ضعيف ". و قال العقيلي: " لا
يتابعه إلا من هو دونه أو مثله ". و كأنه يشير إلى متابعة عمر بن أبي خثعم
المتقدمة. و للحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس يرويه النضر بن إسماعيل البجلي
عن طلحة بن عمرو عن عطاء عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 205/ 1
) و الديلمي في " المسند " (1/ 1 / 104) و قال ابن عدي: " طلحة بن عمرو
عامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، و هذا الحديث مما فيه نظر ". و ذكره ابن أبي
حاتم في " العلل " (2/ 329) من هذا الوجه و قال: " سئل عنه أبو زرعة؟ فقال
: هو طلحة عن عطاء مرسل ".
قلت: و طلحة هذا متروك. و من الغريب أن السيوطي في " اللآليء " لم يحصل على
هذه الطريق إلا من عند ابن النجار! و لكنه قد ذكر له شاهدا مرسلا جيدا فقال:
" و قال ابن أبي عمرو في " مسنده ": حدثنا بشر بن السري حدثنا همام عن يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة عن الحضرمي بن لاحق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إذا أبردتم ... ".
قلت: و هذا إسناد صحيح مرسل، الحضرمي بن لاحق تابعي صغير، روى عن ابن عباس
و ابن عمرو مرسلا و ليس به بأس كما قال ابن معين. و من طريقه رواه ابن قتيبة
في " غريب الحديث " (1/ 46 / 2).
و بالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق، لاسيما و الطريق الأولى صحيحة لذاتها
و إلى ذلك مال السيوطي فقال في آخر بحثه: " قال الحاكم في " المستدرك ": إذا
كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا. و الله أعلم. و ذكر له شاهد من
حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " كان إذا بعث شيئا قال لأميرهم: إذا بعثت إلي
بريدا فاجعله جسيما وسيما حسن الوجه ". أخرجه الخرائطي في " اعتلال القلوب ":
حدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا أبي حدثنا عفيف بن سالم عن الحسن بن دينار عنه.
قلت: و الحسن بن دينار، قال أبو حاتم و غيره: كذاب. فمثله لا يستشهد به
و لا كرامة على أنه ما أدرك أحدا من الصحابة، فإنه إنما ذكروا له رواية عن بعض
التابعين: كـ " ابن سيرين " و غيره.