وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج. رواه الإمام أحمد؛ وأبو داود والنسائي، والترمذي وحسنه، وفي نسخ تصحيحه. ورواه ابن ماجه من ذكر الزيارة.
/فإن قيل: الحديث الأول رواه عمر بن أبي سلمة، وقد قال فيه على بن المديني: تركه شعبة، وليس بذاك. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه. وقال السعدي والنسائي: ليس بقوي الحديث. والثاني فيه أبو صالح باذام، مولي أم هانئ، وقد ضعفوه. قال أحمد: كان ابن مهدي ترك حديث أبي صالح، وكان أبو حاتم يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له في المسند، ولم أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه.
قلت: الجواب على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: كل من الرجلين قد عدله طائفة من العلماء، كما جرحه آخرون. أما عمر فقد قال فيه أحمد بن عبد الله العجلي: ليس به بأس، وكذلك قال يحيي بن معين: ليس به بأس. وابن معين وأبو حاتم من أصعب الناس تزكية.
وأما قول من قال: تركه شعبة، فمعناه أنه لم يرو عنه. كما قال أحمد بن حنبل: لم يسمع شعبة من عمر بن أبي سلمة شيئًا، وشعبة، ويحيي بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ومالك، ونحوهم قد كانوا يتركون الحديث عن أناس لنوع شبهة بلغتهم، لا توجب رد / أخبارهم. فهم إذا رووا عن شخص، كانت روايتهم تعديلاً له. وأما ترك الرواية فقد يكون لشبهة لا توجب الجرح، وهذا معروف في غير واحد قد خرج له في الصحيح.
وكذلك قول من قال: ليس بقوي في الحديث. عبارة لينة، تقتضي أنه ربما كان في حفظه بعض التغير، ومثل هذه العبارة لا تقتضي عندهم تعمد الكذب، ولا مبالغة في الغلط.
وأما أبو صالح: فقد قال يحيي بن سعيد القطان: لم أر أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولي أم هانئ، وما سمعت أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، ولم يتركه شعبة ولا زائدة، فهذه رواية شعبة عنه تعديل له، كما عرف من عادة شعبة. وترك ابن مهدي له لا يعارض ذلك، فإن يحيي بن سعيد أعلم بالعلل والرجال من ابن مهدي، فإن أهل الحديث متفقون على أن شعبة ويحيي بن سعيد أعلم بالرجال من ابن مهدي، وأمثاله.
وأما قول أبي حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، فأبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال الصحيحين، وذلك أن شرطه في التعديل صعب، والحجة في اصطلاحه ليس هو الحجة في جمهور أهل العلم.
/وهذا كقول من قال: لا أعلم أنهم رضوه. وهذا يقتضي أنه ليس عندهم من الطبقة العالية، ولهذا لم يخرج البخاري ومسلم له، ولأمثاله. لكن مجرد عدم تخريجهما للشخص لا يوجب رد حديثه. وإذا كان كذلك، فيقال: إذا كان الجارح والمعدل من الأئمة، لم يقبل الجرح إلا مفسرًا، فيكون التعديل مقدمًا على الجرح المطلق.
الوجه الثاني: أن حديث مثل هؤلاء يدخل في الحسن الذي يحتج به جمهور العلماء، فإذا صححه من صححه كالترمذي وغيره، ولم يكن فيه من الجرح إلا ما ذكر، كان أقل أحواله أن يكون من الحسن.
الوجه الثالث: أن يقال: قد روي من وجهين مختلفين: أحدهما عن ابن عباس، والآخر عن أبي هريرة، ورجال هذا ليس رجال هذا، فلم يأخذه أحدهما عن الآخر، وليس في الإسنادين من يتهم بالكذب، وإنما التضعيف من جهة سوء الحفظ، ومثل هذا حجة بلا ريب. وهذا من أجود الحسن الذي شرطه الترمذي، فإنه جعل الحسن ما تعددت طرقه، ولم يكن فيها متهم، ولم يكن شاذًا: أي مخالفا لما ثبت بنقل الثقات. وهذا الحديث تعددت طرقه، وليس فيه متهم، ولا خالفه أحد من الثقات، وذلك أن الحديث إنما يخاف فيه من شيئين: إما تعمد الكذب، وإما خطأ الراوي، فإذا كان من وجهين، لم يأخذه أحدهما / عن الآخر، وليس مما جرت العادة بأن يتفق تساوي الكذب فيه، علم أنه ليس بكذب، لا سيما إذا كان الرواة ليسوا من أهل الكذب.
وأما الخطأ، فإنه مع التعدد يضعف، ولهذا كان أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ يطلبان مع المحدث الواحد من يوافقه خشية الغلط، ولهذا قال تعالى في المرأتين: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]. هذا لو كانا عن صاحب واحد، فكيف وهذا قد رواه عن صاحب، وذلك عن آخر، وفي لفظ أحدهما زيادة على لفظ الآخر، فهذا كله ونحوه مما يبين أن الحديث في الأصل معروف.
ـ[وليد]ــــــــ[29 - 08 - 10, 05:04 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبا محمد الغامدي