و أما حديث عمر (رقم 25) فقال في تخريجه (ص 15):
و أخرج البيهقي في " دلائل النبوة " و قد التزم أن لا يذكر في هذا الكتاب حديثا
موضوعا.
قلت: و الجواب من وجهين:
الأول: أن الالتزام المذكور غير مسلم به , فقد أخرج فيه غيرما حديث موضوع و قد
نص على ذلك بعض النقاد , و من يتتبع مقالاتنا هذه في الأحاديث الضعيفة
و الموضوعة يجد أمثلة على ذلك و حسبك دليلا الآن هذا الحديث فقد حكم عليه
الحافظان الذهبي و العسقلاني بأنه حديث باطل كما سبق , فما بال المؤلف يتغاضى
عن حكمهما و هما المرجع في هذا الشأن و يتعلق بالمتشابه من الكلام ?!.
الآخر: أن البيهقي الذي أخرجه في " الدلائل " قد ضعف الحديث فيه كما سبق نقله
عنه , فإن لم يكن الحديث عنده موضوعا فهو على الأقل ضعيف , فهو حجة على الشيخ
الذي يحاول بتحريف الكلام أن يجعله صحيحا ?!
ثم نقل المؤلف تخريج الحاكم للحديث و تصحيحه إياه , و تغاضى أيضا عن تعقب
الذهبي إياه الذي سبق أن ذكرناه , و الذي يصرح فيه أنه حديث موضوع! كما تغاضى
عن حال راويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , الذي اتهمه الحاكم نفسه بالوضع!
و عن غيره ممن لا يعرف حاله أو هو متهم , و عن قول الحافظ الهيثمي في الحديث
فيه من لم أعرفهم!.
عجبا من هذا المؤلف و أمثاله إنهم يزعمون أن باب الاجتهاد قد أغلق على الناس
فليس لهم أن يجتهدوا لا في الحديث تصحيحا و تضعيفا , و لا في الفقه , ترجيحا
و تفريعا , ثم هم يجتهدون فيما لا علم لهم فيه البتة , و هو علم الحديث ,
و يضربون بكلام ذوي الاختصاص عرض الحائط! ثم هم إن قلدوا قلدوا دون علم متبعين
أهواءهم , و إلا فقل لي بالله عليك: إذا صحح الحاكم حديثا - و هو معروف
بتساهله في ذلك - و رده عليه أمثال الذهبي و الهيثمي و العسقلاني أفيجوز
و الحالة هذه التعلق بتصحيح الحاكم ?! اللهم إن هذا لا يقول به إلا جاهل أو
مغرض! اللهم فاحفظنا من اتباع الهوي حتى لا يضلنا عن سبيلك.
ثم زعم المؤلف (ص 16) أن الإمام مالكا قد صح عنده محل الشاهد من هذا الحديث
حيث قال للخليفة العباسى: و لم تصرف وجهك عنه صلى الله عليه وسلم و هو وسيلتك
و وسيلة أبيك آدم ?.
و قد بينا فيما سلف بطلان نسبة هذه القصة إلى مالك , و أما المؤلف فلا يهمه
التحقق من ذلك , و سيان عنده أثبتت أو لم تثبت , ما دام أنها تؤيد هواه و بدعته
إذ الغاية عنده تسوغ الوسيلة!.
و من تهور هذا المؤلف و جهله أنه يصرح (ص 12): أن التوسل برسول الله
صلى الله عليه وسلم و سائر الأنبياء و الأولياء و الصالحين و الاستغاثة بهم ...
مما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور هذا المبتدع ابن تيمية الذي جاء في القرن الثامن
الهجري و ابتدع بدعته!.
فإن إنكار التوسل بغير الله تعالى مما صرح به بعض الأئمة الأولين المعترف
بفضلهم و فقههم , و قد نقلنا نص أبي حنيفة في ذلك (ص 77) من الكتب الموثوق
بها من كتب الحنفية و فيها عن صاحبيه الإمام محمد و أبي يوسف نحو ذلك مما يعتبر
قاصمة الظهر لهؤلاء المبتدعة , فأين الإجماع المزعوم أيها المتهور ?! و إن من
أكبر الافتراء على الإجماع أن ينسب إليه هذا المؤلف جواز الاستغاثة بالأموات من
الصالحين ? و هذه ضلالة كبري لم يقل بها - و الحمد لله - أحد من سلف الأمة
و علمائها , و نحن نتحدى المؤلف و غيره من أمثاله أن يأتينا و لو بشبه نص عنهم
في جواز ذلك , بل المعروف في كتب أتباعهم خلاف ذلك و لولا ضيق المجال لنقلنا
بعض النصوص عنهم.
و أما حديث أبي سعيد الخدري (رقم 24) فاكتفى المؤلف (ص 36) بأن نقل تحسينه
عن بعض العلماء , و قد بينا خطأ ذلك من وجوه بما لا مرد لها فأغنى عن الإعادة ,
و المؤلف لا يهمه مطلقا التحقيق العلمي لأنه ليس من أهله , بل هو يتعلق في سبيل
تأييد هواه بالأوهام و لو كانت كخيوط القمر أو مدد الأموات!.
و بهذه المناسبة أريد أن أقول كلمة وجيزة من جهة استدلال المؤلف بهذا الحديث
و أمثاله على التوسل المبتدع فأقول:
إن حق السائلين على الله تعالى هو أن يجيب دعاءهم , فلو صح هذا الحديث و ما في
معناه فليس فيه توسل ما إلى الله بالمخلوق , بل هو توسل إليه بصفة من صفاته
و هي الإجابة , و هذا أمر مشروع خارج عن محل النزاع فتأمل منصفا , و بهذا يسقط
قول هذا المؤلف عقب الحديث: فالنبى صلى الله عليه وسلم توسل بالسائلين الأحياء
و الأموات , لأننا نقول هذا من تحريف الكلم فإننا نقول - إنما توسل - لو صح
الحديث بحق السائلين , و عرفت المعنى الصحيح - و بحق الممشى , و هو الإثابة
من الله لعبده , و ذلك أيضا صفة من صفاته تعالى فأين التوسل المبتدع و هو
التوسل بالذات ?!
و أنهي هذا الرد السريع بتنبيه القراء الكرام إلى أمرين آخرين وردا في الرسالة
المذكورة: الأمر الأول ذكر (ص 16) حديث الأعمى و قد سبق بيان معناه , ثم
أتبعه بذكر قصة عثمان بن حنيف مع الرجل صاحب الحاجة و كيف أنه شكي إليه أنه
يدخل على عثمان بن عفان فلا يلتفت إليه! فأمره ابن حنيف أن يدعو بدعاء الأعمى
... فدخل على عثمان بن عفان فقضى له حاجته! احتج المؤلف بهذه القصة على التوسل
به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
و جوابنا من وجهين:
الأول: أنها قصة موقوفة , و الصحابة الآخرون لم يتوسلوا مطلقا به صلى الله
عليه وسلم بعد وفاته , لأنهم يعلمون أن التوسل به معناه التوسل بدعائه و هذا
غير ممكن كما سبق بيانه.
الآخر: أنها قصة لا تثبت عن ابن حنيف , و بيان ذلك في رسالتنا الخاصة
" التوسل أنواعه و أحكامه " و قد سبقت الإشارة إليها.
و نحو ذلك أنه: ذكر (ص 25) قصة مجيء بلال بن الحارث المزني الصحابى لما قحط
الناس في عهد عمر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم و منادته إياه:
يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا.
فهذه أيضا قصة غير ثابتة و أوهم المؤلف صحتها محرفا لكلام بعض الأئمة , مقلدا
في ذلك بعض ذوي الأهواء قبله , و تفصيل ذلك في الرسالة المومئ إليها إن
شاء الله تعالى.>