ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[21 - 09 - 10, 10:07 م]ـ
فهؤلاء: ثلاثة عشر راويًا رُويَ عنهم رفْعُ الحديث عن حماد بن زيد، وخالفهم جماعة آخرون! فرووه عن حماد فأوقفوه! ولم يجاوزوا به أبا سعيد الخدري! ومن هؤلاء:
1 - حماد بن أسامة: عند هناد في الزهد [2/ رقم 1090]، ومن طريقه الترمذي [عقب رقم/ 2407] حدثنا أبو أسامة عن حماد بن زيد ثنا أبو الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري به نحوه ... موقوفًا.
2 - وأبو كامل: عند أحمد في «الزهد» [رقم/ 1094/طبعة دار ابن رجب]،حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به نحوه ... موقوفًا.
قلت: وأبو كامل: هو مظفر بن مدرك الإمام الحافظ الجبل.
[تنبيه] زعم الشيخ المحدث أبو إسحاق الحويني في «أجوبته على الأسئلة الحديثية لمجلة التوحيد المصرية» أن الذي روى هذا الحديث عن حماد إنما هو أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين! فعزاه إلى عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد»! ثم قال: «وقد وقع الإسناد هكذا في كتاب «الزهد» قال عبد الله بن أحمد: «حدثنا أبي، حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد بن زيد به»، وذِكْرُ «أحمد بن حنبل» في هذا الإسناد خطأ ظاهر، فأبو كامل الجحدري هو فضيل بن حسين من شيوخ عبد الله بن أحمد، لا من شيوخ أبيه»!
قلت: كذا قال! وهذا مع تخطئته للأصول الخطية وغيرها من «الزهد»، بدون برهان قائم، يوهم أنه ليس في الدنيا «أبو كامل» من تلك الطبقة سوى فضيل بن حسين الجحدري وحده!
وغاب عنه أن من مشاهير مشيخة الإمام أحمد: «أبا كامل مظفر بن مدرك الحافظ» وهو المراد في هذا الإسناد بلا ريب عند الناقد، فدعوى أن «ذِكْرَ أحمد بن حنبل في هذا الإسناد خطأ ظاهر!» هي بعينها الخطأ الظاهر!
3 - وإسحاق بن أبي إسرائيل: عند ابن عبد البر في التمهيد [41/ 21] من طريقإسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري به نحوه ... موقوفًا.
5 - وعبد الرحمن بن مهدي: عند ابن عبد البر في التمهيد [21/ 40 - 41] أخبرنا خلف بن قاسم حدثنا يعقوب بن المبارك حدثنا يحيى بن زكريا عن يعقوب الدورقي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري به ... موقوفًا!
قلت: فهؤلاء كلهم رووه عن حماد بن زيد فأوقفوه على أبي سعيد ولم يرفعوه! وهذا الوجه هو الذي رجحه الترمذي! فقد قال في «جامعه» [605/ 4]، بعد أن أخرجه مرفوعًا [رقم/ 2407]، من رواية محمد بن موسى الحرشي عن حماد بن زيد به ... : قال: «حدثنا هناد -وهو في «زهده» كما مضى- حدثنا أبو أسامة عن حماد بن زيد نحوه ولم يرفعه، وهذا أصح من حديث محمد بن موسى!!».
قلتُ: لكن محمدًا لم ينفرد به مرفوعًا عن حماد بن زيد! بل تابعه: جماعة أكثر عددًا ممن أوقفه! وما في بعض رواياتهم من الشك في رفعه! إنما هو من حماد بن زيد نفسه!! كما وقع ذلك صريحًا عند الطيالسي والحسين بن حرب وغيرهما، فالظاهر أنه كان يشك فيه، والراوي الثقة الحافظ المأمون -مثل حماد- إذا روي خبرًا مسندًا ورواه عنه جماعة من الثقات هكذا، ثم عاد وأوقفه أو شك فيه!! فالأول هو الذي عليه الاعتماد؛ لكونه أتى فيه بزيادة حفظها عنه ثقات أصحابه، فلعله نسي بعد ذلك أنه سمعه مرفوعًا، فذهب يوقفه، ثم تعارض عنده الوقف والرفع ولم يترجح أحدهما على الآخر، فصار يشك فيه! وقد كان حماد بن زيد معروفًا بكونه من الذين يقصرون في الأسانيد عند الارتياب؛ زيادة في الاحتياط والتوقي، وقد نقل الحافظ في «التهذيب» عن يعقوب بن شيبة الحافظ أنه قال: «حماد بن زيد أثبت من ابن سلمة، و كل ثقة، غير أن ابن زيد معروف بأنه يقصر فى الأسانيد، و يوقف المرفوع، كثير الشك بتوقيه، و كان جليلا، لم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحيانا يذكر، فيرفع الحديث، و أحيانا يهاب الحديث، و لا يرفعه».
قلت: وقد ورث حماد هذا التوقي عن شيخه أيوب السختياني، فقد كانت هذه عادته فيما يشك فيه من أخبار؛ تبرئةً لذمته أن ينسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله!
والحديث: حسن صالح مرفوع على التحقيق، وهو غريب من هذا الوجه، تفرد به حماد بن زيد عن أبي الصهباء، وقد كان تفرُّدُ حماد به معروفًا بين النقلة، وقد سمعه منه خلْقٌ كما مضى، بل حرص الثوري على سماعه من حماد أيضًا! فأخرج ابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل» [1/ 182]، من طريق يعقوب الدورقي قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول: «رأيت سفيان الثوري جاء الى حماد بن زيد وسأله عن حديث أبى الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبى سعيد الخدري: «أن الأعضاء تكفر بعضها بعضا» قال: فرأيت سفيان الثوري جاثيا بين يدي حماد بن زيد وهو يُمْلي عليه هذا الحديث»، وأخرجه ابن عبد البر أيضًا في «التمهيد» [21/ 40] من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: «رأيت سفيان الثوري جالسا عند حماد بن زيد يكتب هذا الحديث». والله المستعان لا رب سواه.
انتهى بحروفه من: (رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى) [رقم/1185].
¥