الحديث الذي اتكأ عليه هذا العاصي، فهو حديث منكرٌ. أخرجه البزار (1925 - البحر) قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعاً: "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام". قال: وقال رسول الله r : " حياتي خير لكم، تُحدِثون ونُحدِثُ لكم، ووفاتي خيرٌ لكم تُعرَضُ عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير، حمدت الله عليه، وما رأيت من شر، استغفرت الله لكم".
قال البزار: "هذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
فهذا القدر من الحديث: "حياتي خير لكم ... إلخ" منكر ليس بثابت وبيان ذلك: أن جماعة من ثقات أصحاب سفيان الثوري رووا هذا الحديث عنه، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود بأوله حسبُ، ولم يذكر واحد منهم آخره.
فأخرجه النسائي (3/ 43)، وأحمد (1/ 452)، والخطيب في "المدرج" (ص 770) عن معاذ العنبري، والنسائي، وأبو يعلي (5213)، وابن أبي شيبة (2/ 517)، وابن حبان (914)، والخطيب (ص 769) عن وكيع بن الجراح، والنسائي (3/ 4)، والطبراني في "الكبير" (ج 10/ رقم 10529) عن عبد الرزاق، وهذا في "المصنف" (2/ 215)، والدارمي (2/ 225) قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، وأحمد (1/ 387) قال: حدثنا عبد الله بن نمير، والنسائي في "اليوم والليلة" (66) عن ابن المبارك، وهو في "كتاب الزهد" (1028)، وأحمد (1/ 441) قال: حدثنا وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، والهيثم بن كليب في "المسند" (825)، والخطيب (ص 867) عن زيد بن الحُباب، والبزار (1923)، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي" (21)، والخطيب (ص 767)، عن يحيى القطان، والهيثم بن كليب (826)، والطبراني (10530)، عن فضيل بن عياض والبيهقي في "الشعب" (1582)، وفي "الدعوات الكبير" (159)، والخطيب (ص 769)، والبغوي في "شرح السنة" (3/ 197) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 201) عن محمد بن كثير، والحاكم (2/ 421)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 205)، عن أبي إسحاق الفزاري، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (159)، والخطيب (ص 768)، والبغوي في "شرح السنة" (3/ 197)، عن عبد الله بن موسى، كلهم عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعاً بالفقرة الأولى من الحديث، دون قوله: "حياتي خير لكم ... إلخ".
فقد رأيت ـ أراك لله الخير ـ أن يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وابن المبارك، وعبد الرزاق بن همام، ومعاذ ابن معاذ العنبري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الله بن نمير، وزيد بن حباب، وعبد الله بن موسى، وأبا نعيم الفضل، وفضيل بن عياض، ومحمد بن كثير، وأبا إسحاق الفزاري وعدتهم أربعة عشر نفراً قد رووه عن الثوري، فلم يذكروا قوله: "حياتي خير لكم". وخالفهم عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فذكره.
وقد علمنا من قول البزار أنه تفرد به عن الثوري، ولا يشك حديثيُّ ـ وهو المبتدئ ـ أن رواية عبد المجيد منكرة، فلو لم يكن فيه مغمزٌ، ربما احتمل منه، لكن تكلم فيه غير واحد من العلماء، منهم: الحميدي.
وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي يُكتب حديثه".
وقال الدار قطني: "لا يُحتج به، يُعتبر به".
وضعَّفه أبو زُرعة، وابن سعيد، وابن أبي عمر، وغلا فيه ابن حبان، فتركه.
ووثقه آخرون، ولم يرو له مسلم إلا حديثاً واحداً في "كتاب الحج" (1229/ 179) مقروناً بـ "هشام بن سليمان المخزومي"، ولو سلمنا أن مسلماً روى له محتجاً به، فلا بأس بصنيعه، لأنه روى هذا الحديث عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج.
وكان عبد المجيد من أثبت الناس في ابن جريج، كما قال ابن معين، والدار قطني، وابن عدي وغيرهم. وحديثه هذا ليس عن ابن جريج، مع مخالفته لنجوم أصحاب الثوري، فحريٌّ أن لا يقبل منه ما زاده عليهم،
لا سيما وقد رواه الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعاً بالحديث الأول وحده.
أخرجه الحاكم (2/ 421) عن عثمان بن أبي شيبة، والطبراني في "الكبير"
¥