تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالذي عليه أهل العلم أن المتفرد إذا كان ثقة جيد الحفظ وتفرد برواية أن مثله يُقبل حديثه، وقد سبق أن محمد بن عبد الله ثقة، ولم يطعن عليه أحد بغفلة، أو سوء حفظ فيحتمل لمثله، فحديثه يدور بين الصحة والحسن، وعلى أي تقدير فهو أقوى من حديث شريك النخعي، وهذا ظاهر في المقارنة بين الرجلين فشريك كثير الحديث كثير الغلط، ومحمد بن عبد الله قليل الحديث ثقة ويُحتمل لمثله. فكيف يقال بعد هذا: حديث وائل بن حجر أقوى من حديث أبي هريرة؟!

وسوف نتكلم عن شواهد الحديثين في الوجه السابع إن شاء الله.

الوجه الثاني:

قولك: "إن حديث أبي هريرة مضطرب المتن ... ".

فالجواب: أن الاضطراب هو أن يُروى الحديث على أوجه مختلفة متقاربة، ثم إن الاختلاف قد يكون من راوٍ واحدٍ، بأن رواه مرة على وجه، ومرة أخرى على وجه آخر مخالف له، أو يكون أزيد من واحد بأن رواه كل جماعة على وجه مخالف للآخر، والاضطراب موجب لضعف الحديث؛ لأنه يُشعرُ بعدم ضبط رواته. ويقع الاضطراب في الإسناد والمتن كليهما، ثم إن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات على الأخرى بحفظ راويها، أو كثرة صحبته، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحُكمُ للراجحة ولا يكون الحديثُ مضطرباً. هذه هي القاعدة التي وضعها علماؤنا للحديث الذي يُتنازع في أنه مضطرب.

فإذا عُلِمَ ذلك، فإن الحديث الذي استدل به ابن القيم على وقوع الاضطراب في حديث أبي هريرة، حديثٌ ضعيفٌ جداً.

أخرجه ابن شيبة (1/ 263)، وأبو يعلي (ج11/ رقم 6540)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 255)، والبيهقي (2/ 100) من طريق محمد بن فُضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".

وسنده ساقط، وعبد الله بن سعيد، قال أحمد: "مُنكر الحديث، متروك الحديث". وقال البخاري: "تركوه"، وتركه عمرو بن علي، والنسائي، والدارقطني أيضاً. وقال ابن معين والنسائي: "ليس بثقة" وقال الحاكم أبو أحمد: "ذاهب الحديث".

وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه الضعف عليه بين".

بل قال يحيى بن سعيد القطان: "جالسته، فعرفت فيه الكذب".

وقال ابن حبان: "كان ممن يقلب الأخبار، ويهم في الآثار حتى يسبق إلى قلب من يسمعها أنه كان المتعمد لها".

وضعفه أيضاً أبو داود، والجوزجاني، ويعقوب بن سفيان، والبزار، وابن الجوزي، وغيرهم.

وبالجملة .. فلم يُعدِّله أحد قط، وطعنوا فيه طعناً شديداً، فكيف يستدل بمثل هذه الرواية على إسقاط حديث أبي هريرة الذي رواه الأعرج؟!

ومن عجب، أن يستدل ابن القيم بهذا الحديث الساقط الإسناد على أن حديث الأعرج، عن أبي هريرة مقلوب، وقد رد دعوى القلب هذه

مُلاَّ علي القاري، فقال في "مرقاة المفاتيح" (1/ 552): "وقول ابن القيم: إن حديث أبي هريرة انقلب متنه على راوية راوٍ، مع كونها صحيحة". انتهى

الوجه الثالث:

قولك: "ما تقدم من تعليل البخاري، والدار قطني".

فالجواب: أن الدار قطني أعلى حديث شريك وضعفه، فقد قال: "تفرد به شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به".

فلم تذكر هذا، وقد ذكرنا قبل ذلك من ضعف حديث شريك فلو تقاوما

لقُدِّم حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر على نحو ما سبق ذكره، والحمد لله.

الوجه الرابع:

قولك: "على تقدير ثبوت حديث أبي هريرة، فقد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ ... ".

فالجواب: أن الذي ادعى النسخ هو ابن خزيمة، واحتج على ذلك بحديث منكر ضعيف جداً، أخرجه في "صحيحه" (1/ 319)، والبيهقي (1/ 100)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 162) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن مصهب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فاُمِرنا بالركبتين قبل اليدين".

وإسناده ضعيف جداً.

وإبراهيم بن إسماعيل، قال ابن نمير، وابن حبان:

"في روايته عن أبيه بعض المناكير".

وقال العقيلي: "لم يكن يقيم الحديث".

وأبوه إسماعيل: "تركه الدارقطني، والأزدي".

وجدُّه: يحيى بن سلمة، تركه النسائي.

وقال أبو خاتم وغيره: "مُنكر الحديث".

وقال ابن معين: "لا يكتب حديثه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير