وفي الكتاب المصنف لابن أبي شيبة ج2 \ ص (390) قال - رحمه الله -: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقده بيده». يعني التسبيح.
وفي مستدرك الحاكم ج1 \ ص (547) قال - رحمه الله -: حدثنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسن بن المثنى، ثنا عفان، ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقد التسبيح. قال الحاكم: رواه الأعمش
عن عطاء بن السائب. أخبرناه أبو الطيب محمد بن أحمد بن الحسن الحيري، ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء، ثنا علي بن عثام بن علي العامري، ثنا أبي، ثنا الأعمش، عن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقد التسبيح.
درجة هذا الحديث:
هذا الحديث جمع - كما مر - بين الغرابة وبين الاشتهار، فإن إسناده غريب في طرفه الأول، مشهور في طرفه الآخر. وذلك أنه لم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، ولم يروه عن عبد الله إلا السائب والد عطاء، ولم يروه عن السائب إلا عطاء بن السائب، ثم رواه عن عطاء الجم الغفير من الثقات الحفاظ. فقد رواه عن عطاء عشر أنفس أو أكثر وهم كالتالي: -وروايتهم له عن عطاء وردت بألفاظ مختلفة، فأكثرهم عبر بلفظ " عن عطاء " وبعضهم عبر " حدثنا عطاء "، وهو إسماعيل بن علية، عند الترمذي، وبعضهم عبر " بأخبرنا عطاء "، وهو حماد بن زيد عند ابن حبان.
ثم إنه تناقله الناس عن هؤلاء إلى أن دون في كتب أئمة المسلمين - كما أسلفنا - وهذا يدل على أن الحديث صحيح بالنسبة إلى من بعد عطاء لشهرته واستفاضته، بل لتواتره، ويبقى النظر الآن في طريق الغرابة منه، وهو تفرد عطاء بن السائب به عن أبيه، وتفرد أبيه به عن عبد الله بن عمرو، وتفرد عبد الله به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما تفرد عبد الله بن عمرو به فلا يضر لأنه صحابي جليل مشهور، وأما تفرد السائب به فلا يقدح فيه لأنه تقدم أنه ثقة.
وأما تفرد عطاء به فقد يتطرق إليه احتمال الضعف؛ لأنه قد اختلط في آخره، ولكن هذا الاحتمال غير وارد هنا؛ لأن عطاء ثقة، قال فيه الإمام أحمد: " ثقة ثقة، رجل صالح، ومن سمع منه قديما كان صحيحا وكان يختم كل ليلة ". وقال البخاري: "أحاديث عطاء بن السائب القديمة صحيحة". وقال النسائي: ثقة في حديثه القديم. "وقال أبو حاتم: محله الصدق قبل أن يختلط ".
فقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن الرواية عنه قبل الاختلاط صحيحة، وبعد الاختلاط ضعيفة، وقد صرح علماء الجرح والتعديل بأن رواية سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد والأعمش عن عطاء صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، فكل هؤلاء الأربعة روى عنه هذا الحديث ويضم إليهم بقية من رواه عنه وهم ستة فيزيد بهم قوة على قوة ويكون الحديث صحيحا لا غبار عليه.
" ذكر من صحح هذا الحديث من أهل العلم "
هذا الحديث صححه الترمذي وابن حبان وأيوب السختياني والبغوي والنووي والذهبي والحافظ ابن حجر والسيوطي والألباني وشعيب الأرناؤوط.
بيان أن عقد التسبيح في هذا الحديث يكون باليد اليمين
اعلم أن معنى عقد التسبيح عده، كما جاء صريحا في رواية البخاري بلفظ: " يعد التسبيح بيده ".
وقد اختلف لفظ عقد التسبيح بواسطة نقل الرواة له في هذا الحديث، فجاء مطلقا مثل لفظ " يعقد التسبيح " كما عند النسائي والبغوي والحاكم.
أي أن إطلاقه يتناول عقده بالحصى والنوى واليد وغير ذلك، ولكن جاء تقييده بعقده بيده - صلى الله عليه وسلم - كما عند أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة وابن حبان والبغوي بلفظ "يعدهن بيده "، " ويعقدهن بيده "، "يعقدهن في يده "، "يعقدها بيده "، "يعقد التسبيح بيده ".
وكونه قيد عقد التسبيح بيده فإنه مطلق أيضا في اليد؛ لأنه يتناول أنه يعقدهن بيديه معا، فجاء تقييده بعقده باليد اليمين عند أبي داود والبيهقي بلفظ " يعقد التسبيح بيمينه ".
¥