تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول الذي وُكل إلى الخبرة البشرية حيث لم يتعلق به الخطاب الشرعي.

وبذلك تسقط دعاوى العلمانيين ومن تابعهم في تحريف هذا الحديث للوصول إلى إخراج النظام السياسي من الدخول تحت ولاية الشرع.

وأماالأدلة على تعلق الخطاب الشرعي أمراً ونهياً وتخييراً بأمور الدنيا، فأشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر في هذا الكتاب، لذلك نشير إلى جمل من ذلك فقط، فعلى سبيلالمثال:

- عيادة المريض، هو أمر اجتماعي يمس علاقات التواصل والألفة بينالناس، ومع ذلك فقد تعلق به الخطاب الشرعي أمراً وتحريضاً: منه قوله صلى الله عليه وسلم: "عودوا المريض"، ومنه قول البراء بن عازب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع .. الحديث وفيه "وأمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونُفشي السلام".

- وعلى سبيل المثال: الطب والدواء، فهو أمر من المصالح والمنافع التي يحتاجها الناس، وهو أيضاً أمر للخبرة فيه دخل كبير، ومع ذلك فقد تعلقبه الخطاب الشرعي، وانظر في ذلك كتاب "الطب" أو كتاب "المرضى" في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة، وعلى سبيل المثال فقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار وأنهى أمتي عن الكي" ففي هذا الحديث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأدوية النافعة في العلاج، ثم ينهي عن بعضها، وهذه الأمور هي من الأمور الدنيوية، ولكن مع ذلك قد تعلق بها الخطاب الشرعي.

حتى إنه عندما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم باستعمال العسل شفاءً من داء استطلاق البطن، وأخذ المريض الدواء، فازداد بطنه استطلاقاً، ورجع الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كما قال في حديث تأبير النخل:"أنتم أعلم بأمر دنياكم"، وإنما قال لمخبره: اسقه عسلاً، فسقاه فازداد استطلاقاً، فرجع إليه وقال: لقد ازداد بطنه استطلاقاً، فقال صلى الله عليه وسلم -مصراً على مقالته الأولى- اسقه عسلاً، فسقاه فجاءه الرجل المخبر- وكان أخاً للمريض- وأخبره بعدم الشفاء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم- مؤكداً على مقالته الأولى ومحتجاً لها- "صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلاً، فسقاه فبرأ" والحديث أخرجه البخاري في كتاب الطب ومسلم وغيرهما.

يقول ابن تيمية رحمه الله: "التشريع يتضمن الإيجاب والتحريم والإباحة، ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب، فإنه يتضمن إباحة ذلك الدواء والانتفاع به، فهو شرع لإباحته، وقد يكون شرعاً لاستحبابه؛ فإن الناس قد تنازعوا في التداوي .. والتحقيق أن منه ما هو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب وقد يكون منه ما هوواجب".

وعلى سبيل المثال أيضاً: اللباس والزينة، ما يلبس المرء وما لا يلبس وتفاصيل كثيرة متعلقة بذلك هي من الأمور الدنيوية، ومع ذلك فقد تعلق بهاالخطاب الشرعي، بحيث يبين ما يجوز لبسه وما لا يجوز، ويبين كيفيات اللباس المباحة والممنوعة إلى غير ذلك من التفاصيل، ومن أراد التفاصيل فليطلع في كتب السنة على أحاديث كثيرة مجموعة تحت اسم "كتاب اللباس والزينة".

وعلى سبيل المثال أيضاً: كراء الأرض الزراعية بتفاصيلها المختلفة سواء كانت الأرض مشجرة أو غير مشجرة، وسواء كان الإيجار بمال، أو بغلة جزء معين من الأرض وغير ذلك من التفاصيل قد تناولها أيضاً الخطاب الشرعي، ولينظر الناظر في تفاصيل ذلك في كتاب المساقاة والمزارعة وكراء الأرض في كتب السنة وكل هذا من الأمور الدنيوية.

وعلى سبيل المثال أيضاً مسائل البيع والشراء، والربح والدين، والرهن، وما يتعلق بذلك من التفاصيل الكثيرة التي لا يتسع المقام للحديث عنها تعلق بها الخطاب الشرعي مع أنها من أمور الدنيا.

فكل ما ذكرناه، وما لم نذكره من هذه الأمور، هو من الأمور الدنيوية، ومع ذلك فقد تعلق بها الخطاب الشرعي أمراً أو نهياً وتفصيلاً وبياناً، ولو صدق كلامهم في فهم الحديث "أنتم أعلم بأمر دنياكم" لانطبق كلامهم ذاك على ماتقدم ذكره من الأمثلة، ولأدى هذا إلى إخراج كثير من الأمور من الخضوع للأحكام الشرعية، ولأدى ذلك أيضاً إلى هدم الدين وتبديل أحكام الشريعة؛وهو أمر باطل باتفاق أهل العلم، وما استلزم الباطل فهو باطل فيكون فهمهم للحديث باطلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير