تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا يدلنا على أنه ينبغي التفطن إلى أنّ من منهج أئمة الحديث المتقدمين الاحتجاج أو تقوية –وربما تصحيح- بعض المنقطعات لقرائن تحتف بها، والأمثلة على ذلك عديدة منها –غير رواية أبي عبيدة المتقدم ذكرها-:قول أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين في مرسلات سعيد بن المسيب إنها صحاح، قال أبو عبد الله الحاكم «تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله-يعني مراسيل سعيد بن المسيب -، فوجدوها بأسانيد صحيحة» -معرفة علوم الحديث ص170 - ، ومثله قول الشافعي ـ رحمه الله ـ في حديث لطاووس عن معاذ-انظر: فتح المغيث (1/ 141) -

تنبيهات:

(أ) أنَّ قول أئمة الحديث وكبار النقاد هذا لم يأتِ من فراغ بل هو نتاجُ دراسة دقيقة لحال أبي عبيدة بن عبدالله، وحال مروياته، وموازنتها مع روايات الثقات من أصحاب ابن مسعود، فخرجوا بهذه النتيجة العلمية الدقيقة، ولذا علل يعقوب بن شيبة هذا القول بقوله «إنما استجاز أصحابنُا أن يدخلوا حديثَ أبي عبيدة عن أبيه في المسند – يعني في الحديث المتصل –، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر»، وهناك دراسة علمية – ماجستير- في «مرويات أبي عبيدة عن أبيه» لأحد الباحثين في جامعة أم القرى خلص فيها إلى هذه النتيجة التي قررها الأئمة المتقدمون من قرون!.

ولله در ابن حجر عندما قال–كما في كتابه (النكت 2/ 726) -: «وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه».

(ب) وما تقدم يدل على أهمية إعمال القرائن عند المحدثين، وعدم الجمود على بعض القواعد، والمصطلحات التي تطبق في مواضعها المناسبة.

(ت) ولذا أرى أنه عند الكلام على شروط الصحيح تنبيه الطلاب أنَّ الاتصال شرط للصحة ما لم تدل قرينة من القرائن على أنَّ هذا الانقطاع لا يضر، والعمدة في ذلك كلام أئمة الحديث وكبار النقاد، كما تقدم في الأمثلة السابقة، والذي أخشى- وقد وقع شيء من ذلك- أن يرد أحدٌ هذا الكلام بالقول بأنّ هؤلاء الأئمة خالفوا قواعد علوم الحديث، لأنَّ المنقطع ضعيفٌ مطلقاً!، ولا يستشعر أنّ هؤلاء الأئمة هم روّاد علم الرواية؟ وعنهم أُخذتْ قواعد علوم الحديث؟ وهم الذين يحتجُ بأقوالهم وتطبيقاتهم في هذا العلم؟ وكلامهم كما تقدم معلل ومدلل عليه.

وقد قلتُ في كتابي «قَصَصٌ وَنَوادرٌ لأئمةِ الحديثِ المُتقدّمين في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها «: «مما يسر أنّ هناك عودة قوية لدراسة مناهج النقاد من خلال أقوالهم وتطبيقاتهم، وفهم مصطلحاتهم من خلال السبر والتتبع الطويل مع التحليل والنظر، وفي ظني أنّ هذه الدراسات ستقلص من الاعتراضات على النقاد، وتقلل من الاختلاف بين أحكام المعاصرين على الأحاديث وأحكام المتقدمين، وكذلك المعاصرين بعضهم مع بعض. وهذه العودة لدراسة مناهج النقاد .. الخ = هي روح ولُبّ مسألة "منهج المتقدمين في الحديث" والتي -في رأيي- حُمّلتْ ما لا تحتمل، وصُورت على غير حقيقتها التي يدعو إليها الفضلاء، فليس هناك تقليلٌ من قدر المحدثين المتأخرين، وليس هناك تفريقٌ للأمّة، وليس هناك بدعة، بل إنَّ الكلام في هذه المسألة هو بحثٌ في مسائل علمية حديثية دقيقة تتعلق بمصطلحات، وقواعد، ومناهج سار عليها أئمة الحديث المتقدمين، وروّاد هذا الفن، ومن يرجع إليه في هذا العلم، وغالب الخلاف الواقع بين الفضلاء في هذه المسألة من نوع الخلاف اللفظيّ، وطلبةُ العلم فيها بين أجر، وأجرين -إنْ شاء الله تعالى-، والمسألة من مطارح الاجتهاد، ومسارح النظر.

ومما ينبغي التفطن له أنّ هذه الدعوة ليست من التقليد في شيء، بل هي دعوةٌ لأخذ العلم من مصدره، إذ من المعلوم أنّ قوانين وقواعد معرفة حال الراوي، والمروي إنّما أُخذت عن هؤلاء الأئمة فهم الحكم في هذه المسائل، وإليهم الرجوع عند التنازع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير