تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حديث اختلف فيه أبو حاتم وأبو زرعة]

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[18 - 12 - 10, 12:10 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .... وبعد،،

فهذا حديث اختلف فيه أبو حاتم وأبو زرعة مِن حيث الحُكم على الإسناد، فقد خطَّأ أبو زرعة إحدى طرقه بينما حَكَم أبو حاتم للجميع بالصحّة، وبيَّن مستنده فيما ذهب إليه. وكلام الرازيَّين نقله ابن أبي حاتم، ووقع في نسخته سقط وتحريف نبَّهتُ عليه بمعقوفتين بما استصوبته.

قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل (1667، 4/ 596):

وسألتُ أبي عن حديث رواه سفيان الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، [عن أبيه] عن عقبة بن عامر قال: (سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين).

فقيل لأبي: إن أبا زرعة قال: "هذا خطأ". قال أبي: "الذي عندي أنه ليس بخطأ. وكنتُ أرى قبل ذلك أنه خطأ، إنما هو معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن [مولى] معاوية، [عن عقبة] عن النبي صلى الله عليه وسلم". قيل لأبي: كذا قاله أبو زرعة.

قال أبي: "وليس هو عندي كذا، الذي عندي أنه صحيح. الذي كان [أنَّ] الحديثين جميعاً كانا عند معاوية بن صالح. وكان الثوري حافظاً، وكان حِفظُ هذا أسهل على الثوري من حديث العلاء. فحفظ هذا، ولم يحفظ ذاك. ومما يدلّ أن هذا الحديث صحيح: أن هذا الحديث يرويه الحمصيون، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عقبة. ومحالٌ أن يغلط بين الإسناد إلى إسناد آخر، وإنما أكثر ما يغلط الناس إذا كان حديثاً واحداً مِن اسم شيخ إلى شيخ آخر. فأما مثل هؤلاء، فلا أرى يخفى على الثوري". اهـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

ساقطة من الأصل، وبها يستقيم الإسناد.

و في الأصل: "القاسم بن عبد الرحمن، عن معاوية، عن النبي".

ساقطة من الأصل، وبها يستقيم البناء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

قلتُ: الحديث مَروِيٌّ عن عقبة بن عامر من غير ما وجه، على اختلاف في ألفاظه. وقد رواه معاوية بن صالح، واختُلف عنه. فرواه سفيان الثوري عنه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه. ورواه الباقون عنه، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية. كذا رواه عبد الرحمن بن مهدي، وزيد بن الحباب، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن صالح، وأسد بن موسى. فتبيَّن أن حديث سفيان مرجوح، لمخالفته الناس عن معاوية بن صالح.

قال أبو زرعة عن إسناد سفيان: ((هذا خطأ، إنما هو معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة)). وقال ابن خزيمة في صحيحه عقب هذا الحديث: ((أصحابنا يقولون: الثوري أخطأ في هذا الحديث)). اهـ وقال الحاكم في مستدركه عقبه: ((وقد تفرّد به أبو أسامة عن الثوري، وأبو أسامة ثقة معتمد. وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي وزيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح بإسناد آخر)). اهـ

قلتُ: فهؤلاء نظروا إلى الإسنادين على أنهما لحديث واحد، وجعلوا الحمل فيه على سفيان الثوري. واعتذر أبو حاتم عن الثوري بأنه حفظ عن معاوية هذا الإسناد السهل، ولم يحفظ الآخر. فجعل كلا الإسنادين محفوظاً. وبهذا قال أيضاً ابن خزيمة: ((وأنا أقول: غير مستنكر لسفيان أن يروي هذا عن معاوية وعن غيره)). اهـ وأما الحاكم فذهب إلى أنهما حديثان مختلفان! فقال: ((وهذا الإسناد لا يعلل الأول، فإن هذا إسناد لمتن آخر، والله أعلم)). اهـ

قلتُ: وهما حديث واحد لا حديثان، وقد أخطأ الثوري في السند والمتن جميعاً. أما السند فقد علمتَ حاله، وأما المتن فقد اختصره الثوري وساقه بالمعنى. وقد تفرَّد بذِكر سؤال عقبة للنبي صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين، وهذه الزيادة شاذة مخالفة للمحفوظ عن عقبة رضي الله عنه. ففي باقي الروايات أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبر بهما عقبة لمَّا نزلتا ابتداءً، فهكذا أخرجه مسلم في صحيحه وغيرُه من حديث قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

وقصة عقبة بن عامر مع النبي صلى الله عليه وسلم رواها عن عقبة القاسمُ مولى معاوية، ورواها عنه العلاء بن الحارث وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وتابع القاسمَ آخرون بنحو حديثه، منهم: سعيد المقبري، وسليمان بن موسى، وعبد الله بن خبيب.

وأما قول أبي حاتم: ((ومما يدلّ أن هذا الحديث صحيح: أن هذا الحديث يرويه الحمصيون، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عقبة)) اهـ فما أراه إلا وهماً، فالحديث يروونه عن جبير بن نفير، عن عقبة. كذا أخرجه النسائي والطحاوي. ثم إنّ حديث الحمصيين هذا هو مِمَّا يؤكد خطأ الثوري في حديثه، لأن لفظه غير لفظه ويؤكد نكارة ما تفرّد به الثوري. ولفظ حديث جبير:

((أُهديَت للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء، فركبها وأخذ عقبة يقودها به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة: "اقرأ". قال: وما أقرأ يا رسول الله؟ " قال: "اقرأ {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} ". فأعادها عليَّ حتى قرأتها. فعرف أني لم أفرح بها جداً، قال: "لعلك تهاونت بها، فما قمت تصلي بمثلها")).

قلتُ: ليس فيه أن عقبة سأل النبيَّ عن المعوذتين، ولا أنه صلى بهما، بل ليس فيه ذكر لسورة الناس أصلاً! فكيف يُستدلّ بهذا الحديث على صحة حديث الثوري؟ فبان أنه أخطأ في إسناد حديثه ومتنه، ووقف على صنيعه هذا أبو زرعة وغيره من أئمة الحديث ونبّهوا عليه.

هذا ما وقفتُ عليه بتتبُّعي لهذا الحديث، فهل لدى الإخوة - بارك الله عليهم - ما يُدلون به في هذا المضمار؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير