تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

– وعنايته بألفاظ الرواية، حتى إنه رجح بعض الراوة على بعض لهذا السبب، فقد قال: «زهير أثبت من عبدالله بن محمد بن أبي شيبة، وكان في عبدالله تهاون بالحديث، لم يكن يَفْصِلُ هذه الأشياء – يعني الألفاظ –» (11)، ويلاحظ هذا الاعتناء أيضاً في طريقة يعقوب في الرواية، ودقته المتناهية في ذلك.

– وتأثره أيضاً في ألفاظه، وأحكامه على الرجال بعلم العلل، و يعقوب بن شَيْبَة من المُبَرّزين في علم العلل، ويظهر ذلك جلياً في ألفاظه، وأحكامه على الرجال، لذا يتكرر في كلامه ألفاظ الترجيح بين الرواة كفلان أثبت من فلان، أو أتقن، أو أعلم ونحوها من العبارات الهامة في علم علل الحديث.

– ويلاحظ استعماله بعض العبارات الرفيعة في التَّعديل في وصف رواة لا يبلغونها، من ذلك قوله في عطاء الخراساني: ثقة ثبت، وأقوال النقاد فيه تدور بين ثقة وصدوق وضعيف

ومن خلال ما تقدم في هذا المبحث يتبين أنَّ يعقوب بن شيبة معتدل في التعَّديل، وإن كان لا يخلو من تشددٍ أحياناً، فقد تشدد في:

1– عبدالسلام بن حرب، حيثُ غَمَزَه والجمهور على توثيقه.

2– والوليد بن أبي مالك، لم يتكلم عليه إلاّ يعقوب، وهو متفق على توثيقه.

3– وإسرائيل بن يونس السبيعي.

وهكذا غالب الأئمة المعتدلين، فإنهم قد يتشددون أحياناً، وأحياناً يتساهلون، وما أحسنَ وأدق كلمةَ المعلميّ التي قال فيها: «ما اشتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلاَّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام»، والله أعلم.

خلاصة منهج يعقوب بن شيبة في الجرح

في هذه الخلاصة أذكر أهم ما يلاحظ على كلام يعقوب بن شيبة في الجرح، فمن ذلك:

1– جمعه في كلامه على الراوي الواحد بين ألفاظ الجرح وألفاظ التعديل في آنٍ واحد، غير أنه يُقَيّد ألفاظ الجرح بالحديث، ويُطلق ألفاظ التعديل، مما يدل على أنَّ التعديل منصبٌ على صلاح الرجل في نفسه ودينه لا في حديثه وضبطه، وتقدم التنبيه على ذلك في التعليق على الألفاظ المركبة.

2– أنَّ السّمة الغالبة على ألفاظ يعقوب بن شيبة في جرح الرواة سمةُ الخشيةِ والورعِ، وتجنب الألفاظ القاسية والشديدة؛ كالفظة: كذاب، أو وضّاع، أو زنديق، وغير ذلك من الألفاظ التي استعملها بعض شيوخه، كابن معين، وابن نُمير، و ابن المديني.

3– أنَّ يعقوب بن شيبة مع اعتداله في جرحه للرواة إلاَّ أنَّه قد يتشدد أحياناً في بعض الرواة، كما تشدد في حكمه على أبي بكر النهشلي حيث قال فيه: «صدوق، ضعيف الحديث»، مع أنَّ جميع شيوخ يعقوب على توثيقه إلاَّ ما كان من إشارة ابن سعد المذكورة، وكما تشدد أيضاً في حكمه على عبدالسلام بن حرب الملائي حيث قال فيه: «ثقة، وفي حديثه لين، وكان عسراً في الحديث .. »، ونحو هذا الكلام قاله ابن سعد في عبدالسلام هذا، وتقدم قول المعلمي: «ما اشتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلاَّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام» (12)، وكلام المعلمي هذا يدل عليه واقع النقاد ومنهم يعقوب بن شيبة.

4– ومما يلاحظ أيضاً أنَّ يعقوب بن شيبة ينقل أقوال النقاد – شيوخه وغيرهم – في الرواة، وتقدم نقله عن عبدالله بن المبارك، ويحيى القطان، والفضل بن موسى، وابن المديني، وابن معين، وابن نُمير وغيرهم من أئمة الجرح والتَّعديل.

6– ويلاحظ أيضاً أنَّه لا يكتفي أحياناً بذكر الجرح في الراوي؛ بل يذكر فضلَ الرجل وصلاحَه وعبادتَه وزهدَه، وأمرَه بالمعروف ونهيَه عن المنكر، وفقهه، ومعرفته بأخبار الناس وسيرهم، وغير ذلك من الأمور التي يتصف بها الراوي المجروح؛ كما في قوله في أبي بكر بن عياش: «وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب»، وقوله في الهيثم بن عدي: «كانت له معرفة بأمور الناس وأخبارهم، ولم يكن في الحديث بالقوي، ولا كانت له به معرفة وبعض الناس يحمل عليه في صدقه»، وغيرهما من الرواة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير