7– ويلاحظ أيضاً توثيقه النسبي لبعض المجروحين عنده، إما توثيق في بعض الشيوخ كقوله في مندل بن علي العنزي: «عبيدالله بن موسى، ومحاضر، ومندل، وأبو معاوية، ووكيع، وابن نمير، ويحيى بن عيسى كل هؤلاء ثقة في الأعمش»، مع قوله: «كان أشهر من أخيه حبان وهو أصغر سناً منه، وأصحابنا يحيى بن معين وعلي ابن المديني وغيرهما من نظرائهم يضعفونه في الحديث، وكان خيراً فاضلاً صدوقاً، وهو ضعيف الحديث، وهو أقوى من أخيه في الحديث»، أو توثيق بسبب المتابعة كقوله في أبي بكر بن عياش: «وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب»، وقال أيضاً في كلامه على أحد الأحاديث: « .. رواه جماعةٌ عن أبي إسحاق ثقات منهم: زائدة بن قدامة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو بكر ابن عياش، وسفيان بن عيينة، وإسرائيل بن يونس».
8– ومما يلاحظ أيضاً تنبيهه أحياناً على عقائد الرواة، مع التحرز في ذلك؛ فقد قال في عبدالواحد بن زيد أبي عبيدة: «رجل صالح متعبد، وكان يقص يعرف بالنسك والتزهد وأحسبه كان يقول بالقدر، وليس له بالحديث علم، وهو ضعيف الحديث».
9– ومما يلاحظ أيضاً تصريحه بعدم التحديث عن المتروكين؛ فقد قال في علي بن الحزور الغنوي: «قد تُرِكَ حديثه، وليس ممن أحدثُ عنه»، وهذا يدل على انتقاءه لشيوخه.
10– ومما يلاحظ أيضاً متابعة لبعض النقاد في أحكامهم وألفاظهم؛ كابن سعد، وابن معين، فإنَّ ابن سعد قال في عبدالسلام بن حرب: «كان به ضعف في الحديث، وكان عسراً»، وقال يعقوب فيه: «ثقة وفي حديثه لين، وكان عسراً في الحديث .. »، وتقدم أنَّ يعقوب استفاد كثيراً من ابن سعد في طبقات الرواة وأخبارهم، وأما ابن معين فقال عن زيد الحواري: «يُضعّفُ»، وكذلك قال فيه يعقوب كما تقدم.
11– ومما يلاحظ أيضاً تنبيهه على أنَّ بعض الضعفاء يزدادون ضعفاً إذا جمعوا في روايتهم بين بعض شيوخهم.
12– أنَّ تَرْكَ بعضِ الأئمة لراوٍ وعدمِ الروايةِ عنه دليلٌ على ضعفه عندهم، وقد نقل يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني كلامه على عبدالله بن محمد بن عقيل، وبيَّن يعقوب أنَّ هذا لمن كان ينتقي الرواة كمالك بن أنس ويحيى القطان.
13– دقة بعض ألفاظه في الجَرْح. فمن ذلك مثلاً قوله: فيه ضعف، وقوله: في حديثه ضعف، وقوله: في روايته عن فلان بعض الاضطراب.
14– تفسيره للجرح أحياناً، فمن ذلك قوله في معمر: «سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب، لأنَّ كتبه لم تكن معه» (13).
15– عنايته بالتفصيل في أحوال بعض الرواة.
فمن ذلك قوله في سماك بن حرب: «وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع من سماك قديماً مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيحٌ مستقيم، والذي قاله ابن المبارك إنما يرى أنه فيمن سمع منه بأخرةٍ» (14).
16– نقله أقوال كبار النقاد في الرجال واختلافهم فيهم مع المقابلة والترجيح، ونقله ما يجري بينهم من مناظرات في الجَرْح والتَّعديل، من ذلك:
– قوله: « .. سمعت أحمد ويحيى يتناظران في ابن أبي ذئب، وعبدالله ابن جعفر المُخَرَّمي، فقدم أحمد المخرمي على ابن أبي ذئب، فقال يحيى: المخرمي شيخ وأيش عنده من الحديث؟! وأطرى ابن أبي ذئب وقدمه على المخرمي تقديماً كثيراً متفاوتاً، فقلت لعليّ بعد ذلك: أيهما أحب إليك؟ فقال: ابن أبي ذئب أحب إلي، وهو صاحب حديث، وأيش عند المخرمي من الحديث، وسألت علياً عن سماعه من الزهري، فقال: هو عرض، قلت: وإن كان عرضاً كيف؟ قال: هي مقاربة أكثر» (15).
– وقوله: «سمعت علي بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه، فمنهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه، ولجاجته فيه، وثباته على الخطأ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدث به من سوء ضبطه وتوانيه عن تصحيح ما كتب الوراقون له، ومنهم من قصته عنده أغلظ من هذه القصص، وقد كان– رحمة الله علينا وعليه – من أهل الدين والصلاح والخير البارع، شديد التوقي، وللحديث آفات تفسده» (16).
والخلاصة أنَّ أحكام يعقوب بن شيبة في الجرح تتسم بالاعتدال – في الغالب –، وتعابيره تتسم بالخفة وعدم الشدة والقسوة.
¥